يظن الذين لديهم شبهات في هذا الموضوع أن ما شاءه الله عز وجل وقدره فقد رضيه، وهذا لا يصح! لا على مقتضى القرآن ولا السنة، ولا على مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شاء الإيمان، وشاء الكفر، شاء الطاعة، وشاء المعصية، وهذه مشيئة كونية وإرادة كونية.
فأراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بمقتضى الحكمة العظيمة الجليلة أن يكون في الناس مؤمن وكافر:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[التغابن:٢].
فحكمته عز وجل اقتضت أن يجعلهم فريقين، فهذه مشيئته الكونية وإرادته الكونية؛ ولكن رضاه لا يتعلق بهذه المشيئة؛ بل رضاه عز وجل يتعلق بمشيئته الشرعية وبإرادته الشرعية؛ فأرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب لتبين للناس ما الذي يرضاه الله، وما الذي يحبه الله عز وجل، وما الذي يبغضه الله عز وجل، وما الذي يسخط الله، وما الذي لا يريده الله.
ولهذا لو سألك أحدهم عن رجل لم يصلِّ أو فجر أو كذب أو زنا أو سرق، فقال لك: هل أراد الله عز وجل أن يفعل هذا الرجل هذا الفعل؟ فإن قلت: نعم أراد الله -هكذا بالإطلاق- فقد أخطأت، وإن قلت: لا، لم يرد الله أخطأت أيضاً.
فلابد أن نفصل في الكلام، فنقول: ماذا تريد: بأراد؟ فإن كنت تقصد بأراد، أي: أن الله شاء ذلك وعلمه وكتبه وقدره عليه؛ فنعم، فإن الله تعالى شاء ذلك حتى ولو كان شراً أو كفراً أو فجوراً أو معصية فهو الذي شاءه، فلا يقع شيء في الكون إلا أن يشاء الله، وبما يريد الله.
وإن أردت بقولك: هل أراد الله من هذا أن يزني وأن يسرق؛ أن الله تعالى يرضى بذلك ويحبه؟ فلا، بل نقول: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يرد أن يزني الزاني، ولم يرد أن يسرق السارق، أي: لم يحب ذلك.
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يحب ذلك، ولم يشرعه، ولم يأمر به ولم ينزله في كتاب، ولم يرسل به رسول.
إذاً: الإرادة هنا لها معنيان: إن أردنا بها الإرادة الكونية التي هي مطلق المشيئة - مجرد المشيئة - فنعم، فإن الطاعة والمعصية كلها أرداها الله ووقعت، لكن إن أردنا بالإرادة المحبة، فلا يريد الله -أي لا يحب الله- إلا ما شرع، وإلا ما أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب.