ثم قال رحمه الله في الحديث عن بداية السبب الثاني أو التوطئة الثانية لموضوع الفرقة، قال: 'وأول بدعةٍ حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة، حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فعاقب الطائفتين، أما الخوارج فقاتلوه فقاتلهم' وهنا لم يغز علي رضي الله عنه الخوارج ولم يبدأهم بقتال، مع أنهم اجتمعوا على هذه البدعة، وقال لأصحابه:[[دعوهم حتى يسفكوا الدم]] وقصتهم مشهورة معروفة، فلما لقوا عبد الله بن خباب رضي الله تعالى عنه أضجعوه وذبحوه، وبقروا بطن الجارية، فحينئذٍ سفكوا الدم الحرام فاستحقوا أن يقاتلوا.
أما قبل ذلك فقد كانوا يرفعون أصواتهم بالصياح في جنبات المسجد، وهو على المنبر في الكوفة رضي الله تعالى عنه يخطب، ويقولون: لا حكم إلا لله، لا حكم إلا لله، اعتراضاً على موقف التحكيم، ومع ذلك لم يعاقبهم بشيء، بل قال:[[إن لكم علينا ألا نمنعكم مساجد الله، وألا نمنعكم مال الله]] يعني: الفيء الذي هو حظهم من بيت المال؛ فيأخذونه ولا يمنعون منه، فأعطاهم هذه الحقوق، لكن قال:[[حتى يسفكوا الدم، وإنهم لفاعلون]] فلما سفكوا الدم وتجمعوا، وأمّروا أميراً عليهم، وأصبحت لهم شوكة وولاية مستقلة عن إمارة المؤمنين قاتلهم، مع أن من حقه من أول مرة أن يقتل أو أن يقاتل، ولكن حتى وهو أمير المؤمنين -وهذا حق شرعي له- لم يسر في ابتداء قتالهم ولا في معاملتهم أثناء القتال -كما أشرنا آنفاً- إلا على وفق أصول شرعية منضبطة، وهكذا يجب أن تكون المعاملة للأمة في كل شيء.
قال: 'وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار، وطلب قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه، وأمر بجلد من يُفضِّله على أبي بكر وعمر حد الفرية ثمانين جلدة ' لأنه افترى عندما فضّله على أبي بكر أو عمر.
ثم قال: 'ورُوي عنه من وجوه كثيرة أنه قال: [[خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر]] ورواه عنه البخاري في صحيحه ' وهذا أمرٌ معلوم عنه رضي الله تعالى عنه وعن الشيخين، ثم ذكر وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، وبيّن أن أول بدعة حدثت في الإسلام هي بدعة الخوارج وكيف كان تعامل الصحابة معهم رغم أنهم يكفرون المسلمين.