يقول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: 'وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران:١٨٦] فأمر الله سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى -وهذا مهم لنا- وذلك تنبيه على الصبر من أذى المؤمنين بعضهم لبعض متأولين كانوا أو غير متأولين' أي: لابد أن يصبر المؤمنون بعضهم على أذى بعض، فلا يجوز لأحد أن يغتاب المسلمين، أو يسيء الظن فيهم، أو أن يعقد جلسات للطعن والنيل منهم.
ولكن أيضاً لو فعل فالواجب على الطرف الآخر الصبر والسكوت والاحتساب، وهذا واجب على الجميع، يجب على هذا أن يكف عن الأذى، ولكن لو لم يكف وجب على ذاك أن يصبر وأن يحتسب حتى تستقيم الأمة ولا تعم الفرقة.
يقول: 'وقد قال سبحانه: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:٨] فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا فيهم -هذا وهم كفار- فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان؟! ' فلا يحملنا بغضنا لليهود والنصارى أن نظلمهم ونفتري عليهم، ونبهتهم بما ليس فيهم، حتى لو كان رافضياً، أو كان خارجياً، ولا يحملنا ذلك على ظلمه والافتراء عليه، وما فيهم من البدعة يغنينا على أن نبهتهم ونفتري عليهم ونتكلم في نياتهم.
فكيف إذا كان ممن يدعو إلى مثل ما تدعو إليه، ويدين الله بمثل ما تدين به، ويعتقد مثل ما تعتقد، هل يجوز أن تبغضه وتعاديه؟ هذا مما لا يجوز بلا ريب.
يقول: 'فهذا أولى أن يجب عليه ألا يحمل ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالماً له، فهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا، فإن الشيطان موكل ببني آدم وهو يعرض للجميع، ولا يسلم أحد من مثل هذه الأمور' وهذه قاعدة عظيمة، لا يسلم أحد من أن يقع في قلبه شيء من هذا على إخوانه المسلمين.
يقول: 'من نوع تقصير في مأمور، أو فعل محظور باجتهاد، أو غير اجتهاد، وإن كان هو الحق، ولهذا قال تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} وقل فعلاً ولا يمكن أن يسلم أحد أو يسلم مجلس من هذا {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[النساء:١١٤] '.
لماذا لا يكون هذا هو ديدننا وشأننا دائماً في مجالسنا، أن نأمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ولا نتحدث في الفرقة ولا نضع على النار أعواداً لتشتعل، بل لو بلغنا أن أحداً في قلبه شيء على أحد نصلح ما بينهما ونهدئ الأمر، وهذا الخلاف يقع عقوبة من الله {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}[الأنعام:٦٥].
وقد استعاذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأولين فأعيذ منهما، وأما الثالثة فمنع وحجب عنه كما صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالفرقة عذاب لكن الواجب ألا نأججها، بل نقول لمن جاء يغتاب أو ينم أو يتكلم اتق الله وأصلح ذات البين، فيجب أن تكون مجالسنا كذلك، وإن لم تكن مجالسنا مجالس علم وذكر لله -تبارك وتعالى- ومنفعة تنفعنا حتى في دنيانا، فيجب أن تكون مجالاً للأمر بصدقة أو معروف إو إصلاح بين الناس، وليس مجالس إفساد وشحناء في القلوب وإيغار في الصدور.