بماذا نرد على مدرسي المواد التربوية الذين تخرجوا من مدارس داروين وأفلاطون وأرسطو وغيرهم، وهم يقولون: إن قسم العقيدة في الجامعة يعطي للطلاب معلومات خاطئة، فهم يكفرون ابن سينا مع العلم أنه هو رائد المسلمين في علم النفس والطب وغيره؟
الجواب
هذه قضايا متداخلة بالنسبة لـ ابن سينا، أو أبي زكريا الرازي، أو أمثالهما، ليسوا رواد علم التربية الإسلامية، أو الفلسفة الإسلامية، أو علم النفس الإسلامي! وهذه حقيقةٌ ذكرت في مقدمة ابن خلدون بل حتى علم السحر والسيمياء ذكرها ابن خلدون وفصل فيها، وإنما اعتبروا روادًا لأن الغرب اعتبرهم رواداً، ونحن نقلنا هذا من عند الغرب.
حيث إن الغرب تعرفوا على أرسطو وأفلاطون من ترجمة ابن رشد لكتبهما، ولهذا يعتبر الغرب العصر الحديث أو عصر النهضة يبتدئ بالدقة وبالتحديد من عام (١٢١٠م)، لأنها السنة التي وصلت إلى أوروبا ترجمة ابن رشد لكتب أرسطو، فتاريخهم الحديث يبتدئ بحصولهم وعثورهم على كتب أرسطو ترجمة ابن رشد، وتعليقات من ابن سينا فأخذوا إلحادهم القديم -مع الأسف- عنا عمن ينتسب للإسلام.
فاعتبروا المعلم الأول أرسطو، ثم الذين أسهموا بعد ذلك في هذا الدور هم ابن سينا وأبو زكريا الرازي لأن له كلاماً في هذا، والفارابي، والكندي، وابن رشد، لأنه في الخط نفسه.
حيث أخذوا من هذا المعلم -معلم الضلالة الأول- وزادوا، وشققوا، وفرعوا، واستدركوا، ثم نقلت ترجمته إلى أوروبا، ومنها انتقلت النهضة الأوروبية الحديثة -كما يزعمون- فأخذنا هذا عنهم، وهذه من تلبيساتهم، حتى إنهم يقولون: إن أول من ألف في العقيدة هو أبو الحسن الأشعري! وهذا كلام غير صحيح، لأن القرآن هو كله كتاب الإيمان والعقيدة، ومحمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي جاء بهذه العقيدة، والقضية نفسها في التربية، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن إلا معلمًا، ومزكيًا، ومربيًا، فليس ابن سينا أول من جاء بعلم النفس، وإنما أخذنا ذلك من الغرب، ولأن الغرب لا يعتبرون الإسلام إلا وثنية كله، إلا من كان على منهجهم وعلى وثنيتهم، وهم هؤلاء الذين نقلوا إليهم هذه العلوم.
وإنما يزكى ويعظم الرازي الطبيب، وابن سينا وأمثالهما؛ لأن بعض المسلمين عاطفيون، يتأثر بالعاطفة أكثر من الحقائق العلمية، فالجانب العاطفي هذا جعلنا نقول: إن تاريخنا مقدس، لما رأينا الغربيين يهاجمون تاريخنا، يقولون: إن تاريخ المسلمين فيه سفك للدماء، فيه كذا، قلنا نحن: لا، تاريخنا ليس فيه شيء مذموم، نحن أمة العدل، فإن لم نعدل نحن فمن الذي يعدل؟! والحقيقة: نحن لماذا نقدس تاريخنا؟! والأصل أننا إنما نقدس الدين المعصوم، وهو ديننا الذي جاء في الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وأجمعت عليه الأمة، أما ما عدا ذلك اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، لكنا كردة فعل لاحتقار الغربيين لعلمنا جئنا نحن فقدسنا ابن سينا والفارابي وأمثالهما، ونريد أن ندافع عنهم.
فإذا تكلم أحد عن عقائدهم الكفرية والإلحادية، قيل له: اسكت، أنت لأنك مثل الغربيين تشوه تاريخنا، فلما أخذنا تاريخنا من الغربيين، ورجالنا ورواد حضارتنا من الغربيين، وجدنا أن الرواد هم هؤلاء القائمة الملحدة، فإذا طعن في أحدهم قلنا: أنت تطعن الآن في علماء الإسلام، وفي بناة الحضارة الإسلامية، أنت تسيء إلينا، إذا كان الغرب يعترف بفضلهم، وبعظمتهم وأنت تطعن فيهم، إذاً أنت تكفيري ليس عندك إلا التعقيد وهذا الخطأ نشأ عن الخطأ الأول! والخطأ الثاني: أننا ندافع عن تاريخنا دفاعاً مطلقاً عاطفياً، وهذا خطأ، مثلما قام الغرب يحط من قيمة الدولة العثمانية، قمنا نحن ندافع عنها، ونزكيها، ونبرئها، بالعكس: لو كانت كما نزكيها تماماً لانتصرت، لكن فيها عوامل الخلل والضعف، والمقصود: هو أن نكون من أهل العدل.
وبعض الإخوان في التربية يقررون تفاسير كمراجع كـ تفسير المراغي والواضح والألوسي والقاسمي، وخيرٌ من هذه جميعاً تفسير ابن كثير، وهو الأصل والمتن، فهو خيرٌ منها جميعاً، وبعضها عليه ملاحظات أساسية وبعضها لا يخلو من أخطاء.