الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله: " وفي معجم الطبراني {الدواوين عند الله يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وهو الشرك بالله، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء:١١٦]، وديوان لا يترك الله منه شيئاً وهو مظالم العباد بعضهم بعضاً، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه} ' وقال المحقق وهو الشيخ ناصر: ضعيف ولم يروه الطبراني بل أحمد (٦/ ٢٤٠) والحاكم (٤/ ٥٧٥/٢٧٦) وقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: قلت: (صدقة ضعفوه، وابن بانيوس فيه جهالة).
الحديث كما ذكره الشيخ ناصر وراجعناه فوجدناه كما قال، فالحديث ضعيف في لفظه، لكن كون الدواوين ثلاثة تدل له جملة من الأحاديث والآيات.
فأما الديوان الأول: الذي لا يغفر الله منه شيئاً كما جاء في لفظ الحديث يدل عليه قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨].
وأما الديوان الثاني: الذي يتعلق بحقوق العباد التي لا يترك الله منها شيئاً، فهذا له أدلة كثيرة استنبط العلماء من مجموعها -وهذه عادة العلماء أنهم يستنبطون من مجموع الأدلة قواعد كلية عامة قطعية في الشريعة القاعدة التي تقول: ' إن حقوق الله مبنية على المسامحة أما حقوق العباد فهي مبنية على المشاحة'.
ومعنى ذلك: أن حق الله قد يغفره الله، ولا يؤاخذ فيه بالخطأ والنسيان والإكراه، ويقبل شفاعة الشافعين، ويتجاوز من غير توبة ولا استغفار لمن يشاء, ويقدر من المصائب ومن البلاء والهم والغم والنصب الذي يصيب المؤمن حتى الشوكة يشاكها، يكفر الله بها خطاياه ويكون له بها أجر.
وهذا -إن شاء الله- سنأتي في تفصيله عند الكلام عن الكبيرة، والتوبة، والموازنة بين الحسنات والسيئات، والكلام عن حقيقة التكفير التي تكفره الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والحج إلى الحج، والعمرة إلى العمرة.
أما حقوق العباد فهي مبنية على المشاحة؛ فلا تسقط كما تسقط حقوق الله، ولذلك يؤاخذ الإنسان فيها بالخطأ والنسيان وإن لم يؤاخذ عند الله، فإنه يؤاخذ عند الناس بأمر الله وشرعه، على تفصيلٍ في ذلك على ما يقتضيه الحال والمقام والأحكام وهي كثيرة، ولكن هذه هي القاعدة العامة التي استنبطها العلماء من هذا الشأن.