أنا طالب في كلية الطب، والإغراق في دراسة هذا العلم تشعرني بقسوة في القلب، بماذا تنصحني وكيف أجمع بين دراسة الطب والعلم الشرعي؟
الجواب
أنا أخالف الأخ في أن دراسة الطب تؤدي إلى قسوة في القلب، أما إن كان القصد حال المذاكرة للاختبار فإن هذه توجد في أي علم، حتى لو كان في التفسير أو الفقه أو الحديث، لكن إن كان الإنسان في مجال كمجال الطب، وهو يرى عجائب خلق الله تبارك وتعالى، وأسرار ما أودع الله في هذا الجسم البشري الذي آمن بسببه كثير من الناس وكانوا من عمالقة الكفر لما رأوه وتفكروا فيه، فما بالك بالمؤمن الذي يجب عليه أن يتفكر ويتدبر, وأعتقد أن هذا الأخ لو حدثنا عن تشريح العين وعن وظائف الكبد أو الكلية أو البنكرياس، لازددنا إيماناً بالله كما لو أننا سمعنا آيات الله سبحانه وتعالى وأحاديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والمقصود: أن يحصل الإيمان بهذه أو بتلك، ولو أصلحنا هذه العلوم والمناهج وأخلصنا فيها النية والهدف؛ فيمكن أن نسمي هذه العلوم علوم التوحيد المساعدة، كما في الاصطلاح الأكاديمي حيث نسمي بعض العلوم: العلوم التخصصية والعلوم المساعدة، فعلم التوحيد الحقيقي الذي نعلمه نجعله هو الأساس، لكن علم التوحيد المساعد هو علم الطب والتشريح والكيمياء والفيزياء وغير ذلك؛ لأنها كلها تأمل وتدبر في ملكوت الله تبارك وتعالى وفي السماوات والأرض، وفي الأنفس, قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت:٥٣]، فيجب أن نسعى وننظر ونتأمل ونتدبر في السماوات والأرض والجبال، وفي الإبل والشجر، والماء، وحتى في الألوان، وفي مبدأ خلق الإنسان، وكيف تتكون النطفة، وكيف يتكون الجنين، وكيف يتعلم الإنسان بعد أن لم يكن كذلك، وأمور عديدة كلها تقوي الإيمان.
أما إن كان الأخ ينظر إلى ما بعد التخرج, فالمشكلة بالنسبة للطب هي ما بعد التخرج، لأنك قد تعمل ثمان ساعات وفي مجال كله منكرات، وربما لا تستطيع أن تدعو إلى الله تبارك وتعالى كما ينبغي؛ لأنك مشغول دائماً بعمليات وبمعالجات, فنقول: كل ميسر لما خلق له، فليست هذه الأمة ميسرة لأن تكون كلها أطباء، ولا فقهاء، ولا محدثين، ولا وعاظاً، ولكن الله تبارك وتعالى نوّع فيها، فهذا يصلح للوعظ، ولا ينبغي له أن ينصرف عنه إلى غيره، وهذا الذي أعطاه الله تبارك وتعالى الفقه والقرآن والتلاوة وحسن العلم والتفقه في الدين لا ينبغي له أن يذهب ليصبح مثلاً مهندساً ميكانيكياً، لكن الذي لم يؤتَ إلا ذلك, فلا نقول له: أرغم نفسك ودع ما خُلقتْ له ويُسِّرَ لك, واذهب إلى هذا المجال الذي لا تحسنه ولا تتقنه بل كل يعمل فيما يحسن، فتتكامل الأمة لأن كُلَّاً منا قد عمل ما يتناسب مع ما خَلَقَهُ الله وجَبَلَه وفطره عليه, وكلنا ندعو إلى الله، فهذا الواعظ يدعو من جهة، وهذا الطبيب من جهة، وذاك من جهة، ورب طبيب يسلم ويهتدي على يديه ما لا يهتدي على يد عدد من طلاب علم يحدثون ويعظون ويعلمون في المساجد.