للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الامتناع عن أداء الطاعات خشية الوقوع في الرياء]

السؤال

بعض الناس إذ أراد أن يعمل عملاً أتاه الشيطان فشككه في عمله, وأنه رياء فلا يعمل هذا العمل, فما رأيكم يا فضيلة الشيخ! في هذا الشك؟ والحقيقة وردت كثير من الأسئلة تتناول هذه المشكلة فمن الصالحين من يقول: أشك في إمامتي, والآخر يقول: أشك في قراءتي للقرآن, وآخر يقول: أشك في قيامي لليل, والرابع يقول: أشك في شهادتي الجامعية, والخامس يقول: أشك في مجال دعوتي إلى الله عز وجل!!

الجواب

نعم, لعل هذا يدخل فيما أثر عن بعض السلف قيل أنه سفيان أو الفضيل أو عن كليهما: [[العمل من أجل الناس رياء, وترك العمل لأجل الناس كفر]] والعياذ بالله, يعني هذا من الزجر؛ لأن الإنسان لابد أن يدرك أنه عبد, وأن الله تبارك وتعالى افترض عليه أمراً أو عملاً حتى ولو كان مشروعاً ومستحباً, أي ليس مفروضاً عليه لكنه مما شرعه الله له, فما شرعه الله له فليؤده لله تبارك وتعالى, خالصاً من شوائب الشرك والرياء والنفاق.

فإن عمل هذا العمل من أجل الناس فقد راءى, أما لو ترك الطاعة من أجل الناس حتى لا يقول الناس: إن فلاناً فعل.

سواء كان ذلك على سبيل النقد, مثلاً واحد لا يصلي حتى لا يضحك عليه الناس أو يستهزئوا به أو يأتيه الشيطان من هذا المدخل فيقول: لو صليت لكنت مرائياً فيترك الطاعة فهذا يصبح أيضاً قد دخل في باب آخر من أبواب المعصية وهو أنه ترك العمل لأجل الناس, فكلاهما ذنب, أن يعمل لهم أو يترك العمل لأجلهم.

والمطلوب من كل واحد منا أن يجتنب الأمرين, فلا يعمل لأجل الناس, ولا يترك العمل أيضاً لأجلهم, فكل ما فوق التراب تراب.

فعليك أخي الكريم أن ترى ما شرعه الله وافترضه عليك وتتحقق المصلحة الشرعية فيه وتقدم على فعله؛ لأن ما كان في عمله مفسدة راجحة أو ارتكاب منكر أو محظور فهذا أمر لا يدخل في هذا الحكم, لكن المقصود ما شرعه الله تبارك وتعالى وما تقتضي المصلحة فعله ولا مفسدة في فعله فإنك تفعله ولا تبالي بالناس, ولا بما قالوا! بل أنا أقول للإخوة الكرام: إن من أعظم مداخل الشيطان وحيله وتلبيسه على من أراد أن يجتهد في طاعة الله أن يأتيه بمثل هذا, لأن من شمر عن ساعديه واجتهد على الطاعة لا يستطيع الشيطان عدو الله أن يأتي إليه فيثنيه؛ لأنه خبيث, ولا يأتي إلى من عزم على القيام بعمل ليثنيه عن العمل, إنما يثني عن العمل الذي ما زال متردداًَ في الإقدام عليه, فهذا يصرفه عن العمل بسهولة, أما الذي عزم وعقد النية واجتهد فإنه لو أراد أن يثنيه لما سمع له, ولكن يأتيه من باب آخر فيقول: لو عملته لكان لغير الله!! فيأتيه من باب الورع الكاذب, ومتى كان عدو الله ناصحاً لك؟! ومتى كان الشيطان حاثاً على الورع؟! أو على الإخلاص؟! تذكر: أنه ما دام أن الله شرع لك هذا العمل وافترضه عليك وأن مصلحة الدين فيه فلا يمكن لعدو الله وعدوك -الذي قال الله فيه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:٦]- أن يدلك على خير أو أن يثنيك عن عمل لأنه شر ولأنه ضار بك أبداً, وإنما هذا نوع من حيل الشيطان ومن تلبيسه.

وقد عجبت غاية العجب لما بلغني أن أحد الشباب آتاه الله تبارك وتعالى من القراءة ومن العبادة ومن الصلاة ما يغبطه عليه الآخرون, وما يتطلع أكثر الشباب إلى إدراكه ونيله, فكان إذا رآه المصلي الذي لم يؤت مثل هذا الخشوع يتعجب من خشوعه, وفي النهاية زيَّن له الشيطان أن يترك صلاة الجماعة؛ لأن بعض الناس يتأملون في صلاته, وهو لا يملك نفسه إذا قرأ القرآن من أن يبكي, فقال: أفضل شيء أن أصلي الفريضة في البيت, لاحظوا الشيطان والعياذ بالله, هذا لو فعل ذلك لوقع في إثم عظيم وهو ترك صلاة الجماعة, بينما في ظنه أنه يبتعد عن الرياء, لكن لو أنه صلى الفريضة ورأى أن يجعل النافلة في البيت لا حرج في ذلك, بل هذا هو المشروع أو هذا هو الأفضل.

فأقول أيها الإخوة الكرام: الشيطان عدو, إن لم يأتك من باب ترك الطاعة فإنه يلبس عليك أن تتركها بدعوى أن تكون مخلصاً, ولا يريد إلا أن تتركها فتستوي أنت والعاصي في ترك ما أمر الله تبارك وتعالى به مما افترضه عليك, فاحذروا منه! ولذلك يجب أن نحرص دائماً على أي ذكر يعين على أن يعتصم العبد بالله من الشيطان الرجيم, وأن يتحصن بأذكار الصباح والمساء وما أشبه ذلك, وعلينا أن نتعلم ونتفقه في الدين؛ لأن الشيطان أكثر ما يخدع العباد الجهال, فالفقه في الدين يعصم صاحبه بإذن الله من هذا, وإن لم يكن متفقاً, أو لم يؤهل لذلك, فليسأل أهل الذكر وأهل العلم هل أترك هذا أو لا أتركه؟! وعليه ألا ينساق وراء ما يلقي الشيطان في نفسه.