موضوع السفر إلى بلاد المشركين أو السفر إلى البلاد التي تنتشر فيها البدع والرذيلة -وإن كانت بلاد إسلام في الأصل- هذا الموضوع ما هو إلا حلقة من حلقات التأثير على الأسرة المسلمة، والبيئة المسلمة لكي تتحلل من عقيدتها ودينها وأخلاقها وعاداتها الحميدة، وتصبح تبعاً للبيئات التي حكم الله سبحانه تعالى عليها بالكفر والذل والخزي في الدنيا والآخرة، والمسلمون وكما هو واضح لمن يقرأ كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أمة التوحيد، أمة مجتباة ومصطفاة، أُهِّلت لتكون من أهل الجنة بإذن الله.
ونحن نعلم أنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، ولا أهل التوحيد والشرك، ولا أهل الطاعة والمعصية، ولا أهل السنة وأهل البدعة، ومن هنا كان من أوضح الدلائل على أن الإنسان قد أسلم وجهه لله عز وجل وآمن بكتاب الله هادياً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً، أن يفارق المشركين من جهتين: أولاً: المفارقة القلبية: فيفارق قلبه عقائدهم وأديانهم، وتفارق جوارحه أعمالهم وعباداتهم، وكل ما هو من شعائر دينهم.
ثانياً: المفارقة الجسدية: فلا يختلط بهم، ولا يعيش معهم، ولا يندمج في بيئتهم، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{أنا بريء من مسلم أقام بين ظهراني المشركين.
قالوا: يا رسول الله، ولم؟ قال: لا تتراءى ناراهما} لأن البيئة العربية التي بعث فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي في الأغلب بيئة بادية، والأعراب ينزلون في الأودية، هذا يوقد ناراً، والآخر يوقد ناراً على مسافة ما، فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{لا تتراءى ناراهما} أي: لا يرى المسلم نار المشرك، ولا يرى المشرك نار المسلم، فيبتعد عنه ابتعاداً شديداً ويغيب عنه في شعب الجبال، ومن أجل ذلك شرعت الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وكما كان المهاجرون الأولون يهاجرون إلى المدينة، وكان الذي يرجع عن الهجرة في أول الإسلام يعتبر مرتداً، أو في حكم المرتد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاهد أصحابه في أكثر من موضع على مفارقة المشركين، وعلى البيعة على الهجرة، وهذا في أحاديث كثيرة صحيحة متفق عليها، منها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبايعهم على الهجرة والجهاد إلى أن فتحت مكة فقال:{لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية}، أي: لا هجرة من مكة إلى المدينة، وأما ماعدا ذلك، فإن الهجرة باقية من بلد الكفر إلى بلد الإيمان.