من محبة الله البغض فيه والحب فيه، وبغض الكفار من محبة الله، فكيف يكون تعاملنا معهم إذا كانوا معنا في العمل، ونحتك بهم يومياً، وكيف يكون التسليم عليهم إذا رأيتهم؟
الجواب
هذه دائماً نُسأل عنها ولا بد أن نبدأ الأمور من جذورها.
الأمر الأول: أنه لا يجوز أن يُدخَلَ الكفار إلى جزيرة العرب أو أن يقيموا فيها لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} فلا يجوز للحكومة، أو للشركات، أو للمؤسسات أن تتعاقد معهم، أو أن تعطيهم إقامة في جزيرة العرب وإذا كان لا بد اضطراراً فلأفراد معدودين وفي وقت محدد ولحالة طارئة، أما أن يستقدم الكافر، بل والعياذ بالله أن يشترط في بعض العقود كما في الهند والفلبين وغيرها أن تكون نسبة كذا من المسلمين ونسبة كذا من غير المسلمين، فهذا شرط باطل، والعمل بهذا الشرط مخالفة صريحة لما نهى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومخالفة لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإخراجهم من جزيرة العرب وأن لا يجتمع فيها دينان، وهذا من ما لم ينسخ قط، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله وحذر وأوصى به في مرض موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنفذ ذلك خلفاؤه الراشدون، وما علمنا في تاريخ المسلمين، ولا في تاريخ الخلفاء الراشدين، ولا الأمويين، ولا العباسيين، ولا من بعدهم أن كفاراًَ استوطنوا جزيرة العرب وأقاموا فيها إلا مع قدوم الاستعمار الغربي الخبيث، وأول ما ابتدءوا في مناطق معينة في الخليج، وكان الذي يأتي منهم إلى جدة يكون في غاية الخوف، ثم لما فتح الله علينا بهذه النعمة، وامتحننا وابتلانا بهذه الثروة جئنا بهم واستسهلنا ذلك، وأصبح كأنه أمر لا حرج فيه -نسأل الله العفو والعافية- فهذه من الذنوب والكبائر التي قد توجب غضب الله، ونزول عقابه علينا، والناس يستهينون بهذا الذنب، فترى الخادمة، والعامل، والمحاسب، والمدير كفار، وفي كثير من الإدارات يولى الكفار على المسلمين، وهذا مناقض لما جاء في الآية السابقة:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:٥٤] فيجب أن تكون الذلة للكافرين من المؤمنين والعزة للمؤمنين، أما أن تكون الأمور بعكس ذلك، وأن يتسلط الكافر على المسلم، فهذا مما لا يرضي الله تبارك وتعالى أبداً.
أما وقد ابتلينا بهم فما علينا إلا أن نتعامل معهم في ما من شأنه -إن شاء الله- أن يفتح قلوبهم للحق، فإن رأينا أن ذلك يجدي وينفع، فالمعاملة الحسنة مطلوبة من الإنسان، والعدل مطلوب منه حتى مع هؤلاء الذين هم كفار، والذين لا يجوز أن يؤتى بهم إلى هنا.
لكن المعاملة الحسنة والاجتهاد في إتقان العمل، وغير ذلك من الأمور، التي يمكن أن يفتح الله بها قلوب بعضهم ليهتدوا فهذا أمر حسن.
أما ما شرعه الله من ترك البدء بالسلام عليهم، واضطرارهم إلى أضيق الطريق، وترك أكلهم أو ذبائحهم خاصة إن لم يكونوا من أهل الكتاب، أو كانوا أهل كتاب لكن لم يذبحوها وغيرها من الأمور العملية، فهذه وإن كانت مشروعة في الأصل في أهل الذمة، -وأهل الذمة موضعهم بلاد الشام ومصر وأمثالهما إلا أن هذه الأحكام تسري هنا ما دام أنهم قد جاءوا إلى هنا، وإن كان الذين هنا ليسوا بأهل ذمة ولا ينطبق عليهم ذلك العقد.