والأمر الآخر الذي لا بد منه هو: العلم، فإن أساس الدعوة إلى الله تبارك وتعالى على منهاج النبوة، هو العلم.
ولهذا جعل الله تبارك وتعالى العلم قبل القول والعمل فقال:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد:١٩].
فالعلم هو الأساس، ولا نعني أي علم وإنما العلم المقصود هو: العلم بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً وقبل كل شيء، ثم العلم بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بآثار السلف الصالح ومنهجهم وسيرهم وحياتهم في الدعوة إلى الله، ثم ما كتبه الأئمة والدعاة المجددون، الذي أقام الله تبارك وتعالى بهم الحجة، وأظهر المحجة في أزمنة الغربة وعصور الانحطاط رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
وهذا لا بد منه، وما تشاهدونه وما تفرحون به إنما هو ثمرة من ثمرات الحرص على العلم، ولا سيما علم السنة النبوية المطهرة التي ضيعها كثير من المسلمين في هذا الزمن، ولولا هذه الصحوة الطيبة المباركة، وما قيض الله تبارك وتعالى لها من علماء وأئمة مجددين في هذا الفن، لكان الناس في شأن السنة في حال عجيب.
ففي القرن الماضي وما قبله اشتدت غربة علماء السنة جداً، حتى إنك تجد العلماء الكبار من أكبر جامعة في العالم الإسلامي يحفظون القرآن عن ظهر قلب في مراحل متقدمة من العمر، ولكنهم لا يكادون يميزون الضعيف من الصحيح من الموضوع، ولا يعلمون شيئاً في الحديث، وإذا تكلموا أو وعظوا أو كتبوا، خلطو الموضوعات والأباطيل بالصحاح، ولم يميزوا بين شيء منها، فكان في ذلك آفة ومدخل عظيم للشيطان.
إذا فسد العلم فسدت العقائد والأعمال، ولا خير فيها بعد ذلك، فالحمد لله الذي منَّ على هذه الصحوة الطيبة بهذا العلم العظيم، وأحيا في هذه الأمة الاهتمام بحفظ سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً وعملاً وقدوةً.
وما نشاهده في هذه الأيام من التمسك بالسنة في الصلوات في المساجد، وفي المظهر، لم يكن موجوداً قبل خمس عشرة سنة، ولو كنت ذهبت إلى مساجد جدة والرياض والقصيم، لا تجد التمسك بالسنة مثل هذه الأيام، وإنما تجد بعضاً من العلماء الذين لديهم تمسك بها على حال غربة.
أو تجد الذين يتمسكون بالمذهب، وخاصة مذهب الإمام أحمد رحمه الله والمنسوب له أقرب إلى السنة، لأن أصول الإمام أحمد هي أقرب المذاهب إلى موافقة السنة وكذلك في الفروع.
لم يكن عن اتباعهم للسنة مباشرة، ولكن كان عن اتباع للمذهب الحنبلي في الحقيقة، وعلى هذا كان كثير من العلماء رحمهم الله وجزاهم الله خيراً، لكن الحمد لله هذه الصحوة الطيبة أصبحت تتمسك بالسنة، ولا ننسى العلمين المجددين فيها وهما سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ومن سار على نهجهما، فإنهم جددوا في هذا الجيل، إحياء السنة رأساً بغير تقيد بمذهب معين، وهذا من التجديد الذي نفع الله تبارك وتعالى به الأمة، والحمد لله على ذلك.