جاء في كتاب كنز الدعاء أن أناساً ذهبوا يستسقون وهناك شخص يقولون: إنه مجنون، فقالوا له: ادعُ لنا، فقال لهم: أتيتم بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية، ودعا لهم فنزل المطر! فما التعليق على ذلك؟
الجواب
عبارة [يقولون: إنه مجنون] إذن لم يجزم القائل -بغض النظر عن صحة الرواية من عدمها- بأنه كان مجنوناً، ومن يقال له: إنه مجنون، قد يكون من أعقل الخلق، بل إنَّ الملاحظ الآن والمشاهد أن كثيراً من الناس يطلقون على الشباب المتدين المتمسك المستقيم الذي يترك الحرام ويبتعد عن الشبهات والشهوات، ويخاف الله عز وجل ويقف عند حدوده يسمونه مجنوناً، ولا غرابة فقد قالوا ذلك للأنبياء وحتى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهكذا قالت كل أمة لنبيها إنه شاعر وساحر وكاهن ومجنون إلى غير ذلك؛ فإطلاق مجنون قد يكون تهمة، فربما يكون هذا الشاب أو هذا الرجل من أولياء الله الصالحين المستقيمين قد اعتزل ما عليه أهل هذه القرية من ظلم، وفساد، وفجور، وانحراف فسموه المجنون، فلما أرادوا الاستسقاء والدعاء، قالوا له: ادعُ الله، فدعا الله فمطروا، ولا غرابة في ذلك.
فهذا هو الاستسقاء المشروع: أن يدعو من يرى الناس أنه خيرهم أو أبرهم، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ثم بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي زمن عمر رضي الله تعالى عنه لما خرجوا يستسقون أمر عمر رضي الله تعالى عنه العباس عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعو، ثم في عهد معاوية رضي الله تعالى عنه وفي جميع عصور الإسلام من السنن المتبعة أن يكون الداعي ممن يرى أنه من خير الناس وأفضلهم وأتقاهم فيستجيب الله تبارك وتعالى دعاءه، ويمطر ويسقى القوم جميعاً، فهذا لا غرابة فيه إن شاء الله.
إذاً: لا تعارض مع ما تقدم من أن المجنون لا يكون ولياً؛ لأن هذا قيل: إنه مجنون وليس مجنوناً على الحقيقة، ودليل ذلك: أنه ذهب معهم ولا بد أنه تطهر وصلَّى ودعا فهذا لا يكون مجنوناً؛ لأن المجنون غير مكلف ولا يعي ولا يستطيع أن يقوم بهذه العبادات.