الأمر الآخر: هو المعاهدة التي عقدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع اليهود في المدينة، فسكان المدينة الأصليون هم اليهود والأوس والخزرج، فمن الأمور الجديدة على المدينة مجيئ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمهاجرون، إذ أنهم كانوا في نظر أهل المدينة كأنهم محتلون، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب المعاهدة، ومن ضمن ما كتب: أن الأمر في المدينة كلها مرجعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -هذا شيء مهم جداً- وإذا داهم المدينة عدو، فإن الدفاع عنها يكون من قبل الجميع، فهل من المعقول أن يتصدى الأنصار والمهاجرون للعدو، واليهود لا يعملون شيئاً، وهم أهل البلد الأصليون؟ ليس هذا معقولاً! فهذه القضية هي مسألة تختلف تماماً.
وشيء آخر وهو: هل استعان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمشركين في أي معركة من معاركه؟ لا لم يستغن أبداً؛ وقد جاء في بيان هيئة كبار العلماء أن الأمر يرجع إلى الضرورة؛ وهذا صحيح أن الأمر يرجع إلى الضرورة، ولكن الضرورة لها أحكام ولها تفصيل، وهذا ليس موضوعنا، لكن موضوعنا هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستعن بمشرك في أي حرب، بل في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له:{أسلمت، قال: لا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع فإنا لا نستعين بمشرك} وهذا حديث صحيح، أما ما نسب إليه -مما ذكره الشافعي رحمه الله- أنه استعان ببعض يهود خيبر، فهذا الحديث غير صحيح، ولم يستعن بهم، وإنما استعملهم في الأرض.