للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البديل الإسلامي لوسائل الإعلام]

أجاب على هذا السؤال الشيخ سفر الحوالي.

السؤال

في الواقع هنا نقطة نحب أن نعود فيها إلى الأخ الشيخ سفر في موضوع التلفاز، والبرامج التلفزيونية، والفيديو وما شابه ذلك، فالبعض يريد أن يوقف هذا السيل الجارف بأن يأتوا بأفكار، ويقولون: لماذا لا نعمل أشياء إسلامية؟ لماذا لا نعمل أفلاماً إسلامية؟ لماذا لا نعمل أفكاراً إسلامية؟ لما لا نعمل أفلام كرتون إسلامية -مثلاً- ولا نشك أبداً أن هناك مغرضين مندسين وراء هذا، ولكن الظاهرة موجودة الآن؛ فالناس قسمان -إلا من رحم ربي- إما أناس متجهون خاضعون لهذا الغزو الفكري ولا يرون به بأساً، بل يرونه عين الحضارة، وهو المطلوب، وهو المراد، وهذا والله فيه الدمار، وآخرون رأوا في هذا البديل سلامةً لهم، الأمهات يتضجَّرن من الأطفال في البيوت، وتعلمون حال البيوت هذه الأيام وصغرها وحبس الأطفال فيها، فالأم تريد من طفلها أن يكون ساكنا ساكتاًَ، لاكما أراده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى طبيعياً متحركاً نشطاً، فتريده أن يجلس أمام التلفاز ساعتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، وهي تقضي ما تقضي من أمورها، فتصر على شراء التلفاز، فيرضخ الأب ويقول: إذن نأتي بأفلام إسلامية أو برامج إسلامية، فنريد من الشيخ سفر: توضيح الحقيقة، لما في هذا الحل من مخاطر، حتى نكون على بصيرةٍ من أمرنا؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، إن الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر الهين، لأن القضية أخطر من أن يدرسها فرد بذاته، هذه مشكلة كل بيت يريد أن يحافظ على البقية الباقية من الأخلاق والفضيلة، ولكنه يواجه غزواً منظماً مسيطراً، ومن هنا يجب أن تتردد الآراء فيها -ولا نعني أي آراء- ولكن نعني آراء أهل العلم، ورأي أهل الخبرة، ورأي رجال التربية الإسلامية الذين يمارسون الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

إنه لا حرج شرعاً من حيث المبدأ أن توجد أفلام إسلامية نافعة مفيدة، لو سئلنا نظرياً عن ذلك لقلنا: قد يكون واجباً أن يوجد البديل، ولكن يجب أن نتنبه إلى مخاطر كثيرة تحف هذه القضية: الأمر الأول: أن البديل عن أي شيء في كثير من الأحيان فيه نوع من الإقرار بالأمر الواقع، بمعنى أن البديل قد يكون مظهراً للعجز عن المقاومة، فأنا لم أستطع -مثلاً- أن أحفظ بيتي وأبنائي وأغرس وأربي في أنفسهم مقاومة هذا الغزو، وأن هذه الأمور حرام، فقلت: لابد أن آتي بالبديل، بينما توجد الأسر التي تستطيع ذلك، ولو أننا جعلنا الأصل والأساس هو أننا نقاوم هذا الغزو، ونجعل البديل أموراً صالحة، ليس شرطاً أن تكون من جنس ذلك الغزو، كالطفل الذي يأتي -مثلاً- من المدرسة بعد الظهر يتغدى ثم يرتاح قليلاً، يذاكر للعصر، يذهب للمسجد، يحفظ القرآن إلى العشاء، بعد العشاء ينام إجبارياً، ليستيقظ مبكراًَ، هذا الطفل إذا ربي تربية سليمة على أن هذه الأشياء أقل ما فيها أنها تضيع وقته، وأنه لا يستطيع أن يتلقى معلوماته فيها، فسيترك هذه الأمور وما فيها من حرام وما قد تجره إليه من فساد، فهو يقتنع بذلك وإن كان صغيراً مع التربية السليمة، وماذا يربح الإنسان إذا خسر أسرته، مهما كان نجاحه مالياً أو مادياً أو حتى لو دعوياً، نجح في أن يدعو طائفة كبيرة من الناس للإسلام، لكنه ضيع أطفاله وضيع زوجته، فهذا خسران، لا يرضاه إلا من كتب الله عليه الغواية.

الأمر الثاني: أن هذه البدائل فيها -كما ذكره الأخ عدنان - أخطار من النواحي العضوية، فما ينتج عن ذلك في النظر، أو في الأعضاء، أوفي عدم الحركة، أو ما أشبه ذلك، كل المساوئ العضوية موجودة سواءٌ كان هذا الشيء صالحاً أو سيئاً، وأنا قرأت وسمعت أيضاً ندوة إذاعية أن بعض دول أوروبا وفي بعض الولايات الأمريكية، حددت مشاهدة الأطفال للتلفزيون بساعة واحدة في اليوم فقط، وجعلت ذلك تشريعاً إلزامياً في الدولة وفي الولاية، فيلزم الأطفال ألا يروا التلفزيون إلا ساعة واحدة، ثم بعد ذلك يتحدثون عن محتوى هذه الساعة وما سيكون، لكن يشترطون ألا تزيد عن ساعة واحدة، فكيف بنا نحن الذين لا بد من مفارقتنا لهم، بمقتضى أن أصحاب الصراط المستقيم يخالفون أصحاب الجحيم، فهؤلاء رأوا الأضرار العضوية التي تنتج عن المشاهدة للتلفزيون وإدمان ذلك، فقالوا: لابد أن يحدد ذلك بساعة واحدة من أربعة وعشرين ساعة.

الأمر الثالث: هي أن ما يوجد اليوم باسم الأفلام الإسلامية، أو ما قد يوجد هو كأي أمر من أمور حياتنا -نحن المسلمين- يخضع لذوق ولرغبة المشتري، كما هو خاضع لعلم وفقه المنتج، بمعنى أن المنتج الذي لا يعرف الحلال من الحرام، أو لا يتقيد بكثير أو ببعض أحكام الإسلام، قد ينتج أفلاماً فيها محرمات كثيرة وواضحة، وكثير من الآباء لا يدركون الفرق بين الحلال والحرام في هذه الأمور؛ لأن الدعوة العامة وعلم الفقه الشرعي في المجتمعات الإسلامية ضعيف محدود، فئة محدودة فقط هي التي تستطيع أن تنتقي وتختار، ومن هنا فإن هذا المنتج مع حسن نيته -افتراضاً- سوف ينتج لنا أشياء ضارة على أنها نافعة، وهذه قد تتقبلها الأسرة بحجة أنها إسلامية، وقد رفضت تلك التي ليست إسلامية، وفي ذلك خطره وضرره.

وكذلك قضية الرقابة، قد يقول قائل: نخضع هذه الأشياء للرقابة، وأنتم تعلمون أن الأفلام غير الإسلامية فيها الكثير من المحرمات مع وجود الرقابة، وفيها أمور لا تخضع للرقابة، فإذا قلنا: الأفلام الإسلامية تخضع للرقابة، فإن الحال سيكون كحال هذه الأفلام التي تخضع للرقابة من جهتين وأنتم ترونها، بل بالعكس الرقابة -إن وجدت فرضاً- ستجد نفسها أنها أمام شيء عادي جداً، فأحدهم مطالب بأن يراقب مئات من الأفلام الخليعة الفاجرة، ويأتيه فيلم إسلامي فيقول: هذا إسلامي، فلا يراقبه، فنتيجة ذلك تنتشر في المجتمع أخطار قد تكون أكثر خطراً من الأفلام الواضحة أنها للفسق والدعارة.

وأنا أضرب لكم أمثلة واضحة: أنتم تشاهدون ما يسمى -أحياناً- بالتمثيليات والمسلسلات الإسلامية، ولاسيما في رمضان أو في موسم الحج، والحق يقال، كلمة نقولها لله عز وجل: لو أنه وضعت مكان هذه الأفلام أفلام ما يسمونه حباً وهو فاحشة -الأفلام العادية من الغرام والعشق العادي- لكان والله أسلم من هذه الأفلام، والله لقد رأيت بعيني في موسم من مواسم الحج فيلماً في قصص الأنبياء، والقصة كانت عن داود عليه السلام، الممثلة تمثل زوجة داود عليه السلام -الذي أثنى الله عليه في القرآن الكريم: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٣٠]- زوجة نبي كاشفة الصدر والنحر كله، وتختلط بالأجانب، وتكلم طالوت، وتكلم فلان، ووزوجة من هي؟ زوجة داود!! هذا والله أفحش مما لو كانت هذه زوجة فلان من الناس وتختلط بغيره.

وكذلك على هامش السيرة الذي عرض في سنة من السنوات على أنه سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ظهرت فيه أخطاء كبيرة في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيلم الرسالة وما أدراك مافيلم الرسالة، وقد سمعتم عنه الكثير، وكذلك تمثيلية موسى بن نصير شيء عجيب جداً أن يكون الفاتحون المسلمون لايفتحون البلاد إلا عن طريق العشق والغرام والعلاقات مع بنات الروم! أيضاً في سنة من السنوات كان الموضوع عن أبي عبيدة بن الجراح، أمين الأمة المصطفاة: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:٣٢] فهل في الأرض، أمة أكثر أمانةً وحقاً وعدلاً من أمة الإسلام، وهذا أمين الأمة الأمينة، يفتح دمشق بناءً على علاقات غرامية مع بنت ملك الروم!! فإذا كان هذا أميننا، فمَنْ منا الأمين؟! نحن أمة خائنة إذن، ولاشك أن من رضي بهذه الخيانة فهو خائن، وهذا شيء ليس بالخفي، بل شاهده الملايين، وهذا من قبيل توضيح الخطأ لا التشهير ولا الافتراء، لأن هذه الأمور شاهدها الجميع.

فالحقيقة أن هناك خطراً مبطناً مدسوساً فيما يسمى بهذه الأفلام الإسلامية أو المسلسلات الإسلامية في المواسم الإسلامية، وفي تمثيلة ابن تيمية وغيرها.

ولكي يبرزوا شجاعة الصحابة يأتون بسيوف من الخشب، ويقولون: هذا خالد بن الوليد! والطفل الصغير يقول: رأيت خالد بن الوليد، ولا يقول: رأيت ممثلاً يمثل خالد بن الوليد، يقول: رأيت عمرو بن العاص، رأيت معاوية، لأنه يرى شيئاً أمامه، نحن الكبار ننسى الموضوع، ونتصور أن هذا خالد، فكيف بالطفل الصغير؟! وأشد من ذلك أن يأتي في فيلم آخر نفس ذلك الممثل الذي يمثل خالد بن الوليد أو أبا عبيدة، وإذا به لص من أكابر المجرمين، ويأتي في فيلم آخر، وإذا به داعر من أكبر الزناة ومدمني المخدرات، وهو نفس ذلك الرجل!! كيف ينطبع هذا في نفس ذلك الطفل؟ لو بقي ينظر إلى هذا الرجل في كل هذه الأفلام على أنه داعر، زانٍ، فاسق، غشاش، لبقيت صورة واحدة في ذهنه، لكن يأتي يمثل صحابي بهذه الصور! هذا هو التناقض الحاد الذي أشار إليه أخونا الدكتور عدنان، وهذا مما يسيء ويفسد سمعة الصحابة، وبالتالي يفسد الشباب المسلم عن طريق هدم القدوة الذي يجب أن نتأسى بها، وقارنوا بين طفل في الرابع الابتدائي أو الخامس يسمع بصوت الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا -رحمة الله عليه- وهو يتحدث عن صور من حياة الصحابة أو صور من حياة التابعين، كيف يتأثر عندما يسمع عن الصحابة؟! ولكن انظروا واسألوه لو رأى فيلماً من هذه الأفلام، حتى تجد الفرق بين الإعلام النظيف والإعلام المغشوش.

والحمد لله رب العالمين.