للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية الرضا بالمعصية وهي من قدر الله]

السؤال

إذا فعل الإنسان المعصية وهي من قدر الله، فكيف يكون الرضا بها، وكذلك الطاعة؟

الجواب

هذه قضية مهمة، ولا نطيل فيها؛ لأن موضوع القضاء والقدر يحتاج إلى شرح وإفاضة، فنقول: إذا فعلت - أنت العبد الذي خلقك الله لتعبده وتتقيه - ذنباً من الذنوب، فكيف ترضا؟! أليس مطلوباً منك الرضا؟ لا ترضا عن نفسك أنها فعلت الذنب، فعليك أن تتوب وتبادر بالتوبة والندم والاستغفار، ومع التوبة والندم والاستغفار، والعزم على ألا تعود، ترضى أن الله تعالى كتب لك ذلك، فهي من جهة الله أمر نرضى به، لكن من جهة الشيطان، ومن جهة نفسي أنا لا أرضى به ولا أقبله.

مثلاً: أبو الدرداء رضي الله عنه الذي ذكرنا كلامه آنفاً، وقد أسلم متأخراً، أليس الكفر أعظم الذنوب؟ فهو يرى أن التأخر في إسلامه قد فوت عليه شيئاً كثيراً؛ لكن ماذا كان حاله رضي الله عنه؟ كان كحال كثير من الصحابة حيث رضي بما أختاره الله له، فقال: إن الله تعالى ما اختار لي أن أسلم إلا عندما أسلمت: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس:١٠٠]، فقبل بذلك، ورضي بقدر الله، أنه لم يجعله من السابقين الأولين، هذا من الرضا؛ لكن من جهة نفسه، فعليه أن يلوم نفسه، فأي إنسان منا عليه أن يلوم نفسه، لماذا لم أتعجل؟! ولماذا لم أبادر؟! فهذا حق، وهذه حقيقة النفس اللوامة، وهي نفس المؤمن تلومه أنه فعل كذا من المعصية، ولم يفعل كذا من الطاعة.

فهو من جهة أنه قدر الله نرضا به، ومن جهة أنه فعل العبد لا نرضا به، كما لو جاء أحد وقطع الإشارة، وصدم بسيارتك وكلَّفك، فترضى من جهة أنه قدر الله، ولكن من جهة الذي صدمك واعتدى وأخطأ عليك، فلك الحق أن تخاصمه، وأن تحاسبه، فالمسألة فيها جهتان كل منهما تنفك عن الأخرى، وكل عمل وكل فعل له جهتان.