للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيب الماركسية من الحداثة]

السؤال

قال الدكتور محمد مصطفى هداره في محاضرته القيمة في مؤسسة الملك فيصل الخيرية بـ الرياض عن الحداثة، والمحاضرة هذه أعيدت مرة أخرى ثم طبعت في كتاب نحو أدب إسلامي، طبعته ووزعته أم القرى، ولعلكم قرأتموه إن شاء الله.

يقول الدكتور محمد مصطفى هداره: والحقيقة هي أن الحداثة أخطر من ذلك بكثير، فهي اتجاه فكري أشد خطورة من اللبرالية ومن العلمانية ومن الماركسية وكل ما عرفته البشرية من اتجاهات ومذاهب هدامة، ذلك أنها تتضمن كل هذه المذاهب والاتجاهات، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني أو النقد الأدبي، ولكنها تعم الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على السواء.

السؤال: ما هو نصيب الماركسية من الحداثة، وما هو موقف الحداثيين بعد انهيار الشيوعية؟

الجواب

هذا سؤال مهم جداً، وكنت أريد أن أتعرض له في أثناء حديثي، لكن ما قضيناه هو ساعة لا يمكن أن تستوعب الكلام عن الحداثة وإعادة البناء.

فـ الحداثة هي جزء من إعادة البناء وتعني الحداثة بالنسبة لـ غورباتشوف التغلغل الأدبي داخل الغرب، أي: لا نستطيع أن نقوم بثورة حمراء، عندما كانوا يقولون: يا عمال العالم اتحدوا، لم يكن هناك عمال لكي يتحدوا، لكن الآن يتغلغل داخل أوروبا الغربية وداخل العالم عن طريق الحداثة.

وهناك مفكر شيوعي حداثي فرنسي اسمه هنري لوفيفر له كتاب " ما الحداثة " ويقول في كتابه هذا: إن الحداثة هي ظل الثورة الغائبة هنا والناقصة هناك - ويقصد بـ (ظل الثورة الغائبة هنا) أي في باريس و (الناقصة هناك) أي في موسكو - الحداثة تريد الوصول إلى الشيوعية النهائية بأسرع مما تريده الثورة الحمراء الدموية.

ولذلك فـ الحداثة تعتمد على شيء مهم جداً -كما تعلمون- وهو العاطفة لا العقل، اقرأ أي قصيدة حداثية، وحاول أن تحللها بعقلك، إذا قلت: أن هذا مشبه وهذا مشبه به، وهذا مجاز فإنه سوف يسخر منك ويقول لك: هذا كلام سخيف، وهذا كلام غريب، وهذه كلاسيكية وهذا تقليد، لكن القصيدة الحداثية تقرؤها ولا تفهم منها شيئاً، والقصة الحداثية تقرؤها ولا تفهم منها شيئاً.

يقول: لأننا لم نعد نخاطب القوالب العقلية الجامدة، وهذا ما يقوله الشيوعيون: إن كلام كارل ماركس ولينين كانت قواعد علمية، قواعد مقننة مقرة ذهنياً، والآن العالم لا يحتمل الفكر المقنن، العالم الآن يجري ويبحث ويلهث ووراء عاطفة، وراء خيال بعيد عن إطار العقل.

ولهذا يقولون: إن غاية الإنسان وحقيقة الإنسان في شيئين، الأول: الحلم، والثاني: الجنون، وفرويد عبر عن ذلك بالعقل الباطن، والحداثيون يقولون: الجنون، ولهذا زعماء السيريالية في العالم والدادية والتكعيبية وكل المدارس الحداثية كلهم من مدمني المخدرات، لماذا؟ لأن المخدرات تجعل الإنسان يفقد العقل وتجعله يعيش في أوهام الخيال.

وهذا هو الشعر الذي كان يأتي به شعراء الحداثة كـ برايكون وأمثاله، ويأتي بشعر غامض وذلك بعد أن يحشش، وهذا الشعر غير مفهوم وتنطبق عليه صفات السريالية والحداثة.

لكن الشعر الذي يمليه العقل يكون فيه علاقات عقلية أو ربط عقلي بين أجزائه وهذا لا يريدونه، فإذاً عملية البناء تشمل التغلغل داخل المجتمعات الغربية بهدم القوالب العقلية، سواء ما كان منها في الاتحاد السوفيتي أو في خارج الاتحاد السوفيتي، فـ الحداثة موظفة توظيفاً خاصاً لأغراض البروستريكا أو إعادة البناء.