للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاختلاط وأثره السيئ]

السؤال

هل عدمت المستشفيات من الطبيبات حتى يدخل الطبيب على المرأة في الولادة ويدخل عامل النظافة إلى قسم النساء بدون رقيب؟ نريد حلاً لهذه القضية المؤلمة التي بدأت تكثر في هذه الأوقات، ولماذا لا يتعاقد مع جهاز طبي نسائي كامل يخصص للنساء؟

الجواب

الأمم بإرادتها، وتلك سنة من سنن الله تبارك وتعالى، حيث جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الإنسان -فضلاً عن الأمة- من الطاقات ما لا نظير له في أي مخلوق، فمن الممكن أن يحقق الفرد أو الأمة أشياء عجيبة جداً لا تخطر على البال، ولهذا يوجد من الأفراد من هو أمة بذاته مما يحقق من الأعمال، وأصل ذلك كله الإرادة التي تعني: العزيمة الصادقة ولا سيما على الرشد وعلى أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

إن أمة لديها إرادة أن تعبد الله وحده لا شريك له، ولديها إرادة أن تكون أمة متميزة مستغنية عن غيرها، وتكون أمة قائمة على أمر الله كما شرع الله تستطيع ذلك بإذن الله، ولا نقول: لا يوجد كوادر، فمهما قلنا ذلك إذا وجدت الإرادة وجد كل شيء، ليس في هذه المسألة فحسب؛ بل إن صدقنا مع الله وإن أردنا حقاً أن نقضي على الربا، والله لنقضين عليه قضاءً مبرماً، ونعيش بعد ذلك عيشةً سعيدةً هنيئةً فيها البركة والنماء لا المحق والخسارة.

إن أردنا الحجاب والعفاف والصون والله نستطيع ذلك، وما الذي يمنعنا؟ ماذا علينا لو آمنا بالله واليوم الآخر حق الإيمان، ماذا علينا لو تمسكنا بما كان عليه السلف الصالح؟ والله ليس علينا شيء.

لكننا لا نريد! وهنا المشكلة يعتذرون بقلة الطاقات، أو ليست المستشفيات مختلطة؟ افصلوا هذا عن هذا، ويعتذرون أحياناً بالمال، أوَلسنا نسخِّر المال في لهوٍ ولعب؟ فخير وأوجب وأولى ما يسخر فيه المال في حفظ العرض وصون الشرف، والعفاف والفضيلة والطهارة، حتى لو كانت نساء ذميات كتابيات في ظل الدولة الإسلامية وجب أن ينفق المسلمون من بيت المال ما يحفظون به عفافهن، وحرمتهن، حتى لا ينتشر الفساد في الأرض، فكيف بالمؤمنات الحرائر العفيفات الطاهرات، اللواتي يكتبن رسائل تدمي القلب.

إحداهن تقول: والله إنني لا أذهب إلى السوق أو إلى أي مكان -إذا اضطررت أن أخرج من البيت- إلّا متغطية متحجبة حجاباً كاملاً لا يرى مني ظفر، فإذا جاءت الولادة فإنه يأتي الطبيب الأجنبي -وقد يكون كافراً أو ملحداً- فيرى مني كل شيء حتى عورتي، أين غيرتكم يا دعاة ويا علماء ويا طلبة علم؟! إلى هذا الحد حتى عامل النظافة يدخل، سبحان الله العظيم! لماذا لا نعين من يقوم بهذا العمل؟ فكل من يفتح مستوصفاً أو مستشفىً نسائياً متخصصاً نعينه، ونمده بالمال والطاقات وبكل جهد، فإن هذا من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من أوجب الواجبات، والحمد لله فليس هذا بغريبٍ علينا، وانظروا تعليم البنات عندما قام ووضعت له ضوابط، كان فيه خير كثير والحمد لله، رغم ما دخله من خلل، لكن فيه خير كثير، فلِمَ لا يكون الحال في المستشفيات كذلك؟ عجيبٌ جداً أنه إذا قبض على الرجل والمرأة مختليين، -وكان هذا الرجل مدرساً -مثلاً- وهي مدرسة- فإنه ينكر عليهما لأنهما اختليا، أما إذا كانا طبيباً وطبيبة، أو طبيباً وممرضة، فنحن الذين نهيئ لهم الغرفة والخلوة، ونهيئ لهم كيف يختليان، فكيف يقع هذا التناقض؟ من الذي حرَّم هذا وأحلَّ هذا؟ أليست الخلوة حراماً على كل أحد وكيفما كان؟! المدِّرسة لا تأتي إلا بمحرم، والممرضة تأتي بغير محرم هذا أمر عجيب، قانونان ونظامان في بلد واحد، وفي أمة واحدة، لماذا هذا؟ أليست هذه الممرضات أقرب إلى الفسق من المدِّرسات؟ وخاصة أن كثيراً من معاهد المعلمات وكليات البنات منفصلة حتى في خارج المملكة، فسبحان الله! هذه بحجاب وصون وأوامر مشددة، وتلك منفلتة لا يماثلها إلا ما يسمونه بالمضيفات خادمات الطائرات.

يجب علينا أن نتق الله، فلا عذر لنا في معصية الله ونحن أمة تملك أعظم الموارد المالية، وتملك أكبر الطاقات البشرية، والله لو أردنا أن نشتري أكبر العقول في الغرب -ليس في الشرق فقط- التي تصنع القنابل النووية لاشتريناها؛ وجاءتنا راغمة.

فالمال موجود، والغيرة موجودة -إن شاء الله- لكن علينا أن نغير بقدر الاستطاعة، فهذا يطالب وهذا يخاطب، وهذا يخطب الجمعة، وهذا يكتب في الجريدة، وسيأتي الخير بإذن الله، وما ضاع حق وراءه مطالب، وهذه قضية حافظ عليها العرب في جاهليتهم، وحافظ عليها أجدادنا قبل أن تبلغهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقبل أن يروا نور التوحيد، إنهم كانوا يسمون المرأة وإلى اليوم بالعار، وكلمة العار تطلق على المرأة وهذا من المجاز في اللغة؛ لأن أي شيء يمسها فهو العار.

والآن أصبحنا نتهاون بهذه القضية، بعض الأزواج أو المحارم -أياً كان- يرمي بها عند باب المستشفى ويذهب ولا يعلم ماذا يُصنَع بها، عجيب! إلى هذا الحد، فإذا رخصت عندك امرأتك أو عرضك إلى هذا الحد، فما الذي تعظم؟ وما هو أغلى شيء عندك؟ وأعني بعد إيمانك؛ لكن نتكلم عن هذا الأمر الظاهر الذي تغار له القلوب، فالمسلم لا يرضى بذلك، وإن المؤمن لا يرضى لكافرٍ أن يرى عورة كافرة لا تحل له، وليست من محارمه، فكيف نرضى أن ترى عورة المرأة المسلمة من فجار أو فساق أياً ما كانت العلل في ذلك، ما عدا الضرورات القصوى التي يجب أن يوضع لها ضوابط، ولا تنفلت هكذا، والله أعلم.