[القسم الثاني: الجاهل والمتأول]
وقد يخالفه عن جهل بحكم الله سبحانه، إذ ليس كل من وليَّ القضاء والحكم بين الناس يعلم جميع ما أنزل الله ويعرف الأحكام، وإن كان الواجب ألاَّ يعين إلا من هو في درجة الاجتهاد، وقد يولى شخص فيحكم في هذه المسألة أو في بعض المسائل بما أنزل الله خطأً منه في ذلك فيظن أن هذا الذي فعل حده.
القتل أو القطع فيخلط بين الحدين، وقد يقع في الخطأ ويقع منه التأويل، والتأويل له أبواب.
فبعض القضاة يتأول الآية على غير وجهها، والحديث على غير وجهه ويخالف حكم الله تعالى فيه.
وبعض القضاة يقول: مذهبنا لا يعتبر هذا الحديث دالاً على ذلك لأنه خالف ظاهر القرآن، ومخالفة الحديث ظاهر القرآن يعتبر نسخاً إلى آخره، وهناك أمور تفصيلية لا داعي للاستطراد فيها، كالأصول الفقهية في المذاهب الأربعة وغيرها، فقد يَرد الإنسان حكم الله الذي يدين به أهل الحق لأصل من أصول مذهبه التي يتوهم ويظن أنها حق وهي غير كذلك، فيحكم بها، فهذا متأول له اجتهاد وإن كان غير سائغ وغير مقبول.
المهم أن المخالفة لحكم الله تقع إما خطأً، وإما اجتهاداً وتأولاً، وقد يقع هوىً وشهوة، والكلام هنا هو في المخالف اتباعاً للهوى واتباعاً للشهوة، وهو في بلد يحكم بما أنزل الله، وفي محكمة تحكم بما أنزل الله، وهو مستسلم لأمر الله، معتقد أن من حَكَّم شرعاً غير شرع الله، ومن أحل القوانين الوضعية محل شرع الله، فقد كفر.
كل هذا موجود لديه، لكنه عدل عن حكم الله في هذه القضية أو في هذه المسألة اتباعاً للهوى وللشهوة أو لأي داعٍ من دواعي معصية الله، كما تعرض للإنسان في كل الأحكام، وكما تعرض له في الزنا وشرب الخمر وكل المعاصي، فهذا هو الذي لا يكون خارجاً عن الملة.
ولكن كما قال المصنف رحمه الله: ' وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة، فإنه معصية عظمى '.
وكلام المصنف في هذه المسألة سيأتي له إيضاح من أقوال العلماء إن شاء الله.
قال: ' وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة، فإنه معصية عظمى' -أي: هذا الحكم الذي حكم به- أكبر من الكبائر، كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، واليمين الغموس، وغيرها، وهذا الفعل أكبر من بقية الكبائر لأن المعصية التي سميت كفراً، أعظم من المعصية التي لم تسمَّ في لسان الشرع كفراً.
'فإن معصية سماها الله في كتابه كفراً، أعظم من معصية لم يسمها كفراً'.
وهذا تقدم شرحه في أول الكلام، عند ذكر النصوص المبينة لأنواع الكفر.
قال: ' نسأل الله أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقياداً ورضاءً، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه '.
وبذلك انتهت فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.