[عدم مشاركة المسلمين لأعياد الكفار من أول الإسلام]
ومن الأدلة على ذلك -وهذا يمكن أن نسميه دليل الواقع- أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعثه الله كان اليهود في جزيرة العرب في أماكن كثيرة، في المدينة، وخيبر، والنصارى كانوا في نجران، واليمن -في صنعاء وغيرها- فكان اليهود والنصارى موجودين في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أول ما جاء الإسلام، وكذلك كان الفرس وديانة المجوس في البحرين -في شرق جزيرة العرب - ونحو ذلك.
ومع ذلك من تأمل ونظر في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، علم علماً يقينياً قطعياً، أنه لم يكن المسلمون يشاركونهم في أي عيد من أعيادهم أبداً، ولم يقع ذلك من أحد من الصحابة أو التابعين، حتى لو تتبعنا السير لا نجد أن نساء المؤمنين أو أطفالهم شاركوا أولئك في أعيادهم، وذلك لأنهم أمة عرفوا الله، ومعنى لا إله إلا الله، وعزة الإيمان، وعرفوا أنهم على طريق الجنة والصراط المستقيم، وأن أولئك على طريق الكفر والضلال واللعنة والغضب، فلا نسبة بيننا وبينهم، ولا يمكن أن نقاربهم أو ندانيهم في شيء من شعائر دينهم.
هذا كله مع أنه قد ثبت وجود التعامل معهم في أمور الدنيا الاعتيادية كالمبايعة، والمخالطة في الأسواق، وفي البلاد، وفي السكنى والمجاورة، وكثير من الأحكام، بل حتى رد السلام والتعارف كان موجوداً بينهم، والتعارف، وكثير من الأمور كانت موجودة؛ بعضها نسخ وبعضها لم ينسخ.
والمقصود أن وجودهم كان حاضراً بين المسلمين ولم يثبت أبداً أي مشاركة لهم في أعيادهم، فهذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم علموا وأيقنوا أن أعيادهم جزء من عقيدتهم، فكما لا نوافقهم على عبادة المسيح عليه السلام أو عزير أو تحريفهم للتوراة أو إنكارهم لنبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا مثل ذلك، فكذلك لا نوافقهم في أعيادهم، لأنها من دينهم.
فهذا كان حالهم رضي الله عنهم، ومن بعدهم، وهذا ما نسميه دليل الواقع.