للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام القلوب]

أقسام القلوب ثلاثة وهي التي تسلم، أو تقسو، أو تمرض، والقسوة هي الموت، وهذه الثلاث الحالات تنتاب القلوب.

أما القلوب السليمة: فقد جاءت في كتاب الله تعالى، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] أي: خالص متجرد من الشرك، لا تشوبه شائبة من شرك، أو نفاق، أو رياء.

ويقول الله تبارك وتعالى في موضع آخر عن سلامة القلب في حق إبراهيم الخليل: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:٨٤] فإبراهيم عليه السلام حقق ذلك، ولذلك أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالائتساء والاقتداء به؛ لأن قلبه عليه السلام سَلِمَ من الشرك، ومن الولاء لغير الله، ومن المداهنة، والرياء، والنفاق، فخلص وتجرد، وتطهر لله وحده لا شريك له.

أما القلوب المريضة: فكما قال الله تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:٥٠] فالقلوب تمرض، والآيات التي تذكر مرض القلب كثيرة منها قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً} [البقرة:١٠].

وهناك طائفة كبيرة محسوبة ومنسوبة إلى هذا الدين, ويأتي الحديث عن أمراض القلوب غالباً مقترناً بها، وهم المنافقون -نسأل الله العفو والعافية- وهل هناك مؤمن يخاف من شيء أكثر من خوفه أن يكون منافقاً، فهذا أخشى وأخطر ما يجب أن نخافه، فلا ينفعنا عمل مهما كبر وعظم مع النفاق، لأن المنافقين ينفقون ولكن ينفقون وهم كارهون، ويصلون ولكن يصلون وهم كارهون، ويخرجون للجهاد ولكن كما قال تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً} [التوبة:٤٧].

فليست المسألة في أن الأعمال تقع، لكن أن تكون هذه الأعمال تقع مع قلب سليم من المرض، ولهذا خاطبهم الله ووصفهم بأنهم قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، فلا ينفع من آمن بفيه ولم يؤمن قلبه، إلا السلامة من سيف المؤمنين في الدنيا؛ لأنه قد دخل في دائرة من عصم دمه بقول هذه الكلمة ظاهراً، ولهذا لما ضرب الله تعالى المثل لهم في أول سورة البقرة قال فيهم: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة:١٩] أي: أنهم ليسوا كالكفار الذين لم يروا نوراً مطلقاً، فقد رأو نوراً ولكن هل ينفعهم هذا الصِّيب، وهذا البرق؟ لا ينفعهم مطلقاً، بل هو مخيف لهم، لأنهم لم يذعنوا بقلوبهم لله تبارك وتعالى, ولو أذعنوا وآمنت قلوبهم لاستنارت ولما كان ذلك إلا نوراً في قلوبهم وحياة يحيون بها، ويزكون بها أعمالهم، وتسلم قلوبهم من المرض فتطمئن، كما قال الله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

وأما القلوب الميتة: فإنه إذا اشتد المرض بالقلب؛ حصل الموت، والموت: هو القسوة كما في قول الله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة:٧٤] وقوله تعالى أيضاً: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم} [الزمر:٢٢].