للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من لوازم محبة الله سبحانه وتعالى]

يجب أن يكون الله عز وجل أحب إلينا من أنفسنا؛ إن أردنا أن نكون من أهل الدرجة العليا، وهكذا هي محبة الله تعالى، والذلة للمؤمنين والغلظة على الكافرين شرط في حصول ذلك، كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى، ولذلك عقب على الغلظة بالجهاد كما قال تعالى: ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)) [المائدة:٥٤].

يقول: ' فإن من تمام المحبة مجاهدة أعداء المحبوب '.

إذا كنا نحب الله، فكيف نرضى ونسكت عمن يقول: إن لله تبارك وتعالى ولد؟ كما قال ذلك اليهود والنصارى، وكيف نرضى عن قول اليهود كما حكى الله عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:٦٤] وعندما يقول اليهود: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١] وعندما يكذِّبون رسل الله، وعندما يدعي النصارى أن لله ولداً، تعالى الله وتنزه عن هذا القول المنكر المفترى العظيم، الذي تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدَّا، فهكذا يقول النصارى واليهود.

والمشركون يعبدون مع الله حجارة وأصناماً، ويظنون أنها تقربهم من الله، وأنها واسطة بينهم وبين الله، فحق الله الذي خلقهم ورزقهم يصرفونه إلىهذه الحجارة وهذه الأوثان والأشجار والقبور، وغير ذلك، وهذا أمر عظيم، فمن عرف الله، وأحب الله، فإنه يجب عليه أن يتقرب إلى الله بقتال هؤلاء -أعداء الله- الذين تركوا عبادته والإخلاص له الذي أمرهم به، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥] فتركوا ذلك وذهبوا إلى عبادة غير الله، والافتراء على الله، وادَّعوا لله تعالى ما ليس له.

وأقول: -ولله المثل الأعلى- هل يعقل أن تحب أحداً من الناس وتقول: أنا أحبه غاية المحبة، ولا تعادي من يفتري عليه أعظم الافتراء، ويبهته أعظم البهتان؟ مستحيل، حتى إن الواحد من الناس يقال له: ألم يكن فلاناً حبيبك، فيقول: نعم، هو حبيبي وأخي، لكن لما رأيته أبغض فلاناً، وافترى عليه، وكذا وكذا كرهته، فلسان حاله يقول: ليس بيني وبينه أي شيء، لكنه أبغض من أُحب، وكَذَب على من أحب، واتهم من أحب، وأبطل حق من أحبه محبة عظيمة؛ فكانت العاقبة أن أقطع ما بيني وبينه.

إذاً: هكذا المؤمنون لو أحبوا الله تعالى حق المحبة؛ لعادوا الكافرين أشد العداوة، وأحبوا المؤمنين أشد المحبة، ومنتهى العداوة أن يجاهدوا باليد بعد المجاهدة بالبيان، يجاهدون بالسنان مع إقامة الحجة عليهم بالدعوة والبرهان، وينتقلون معهم من حال المجادلة إلى حال المجالدة، وهذا لا بد منه، ولذلك تأتي هذه الصفة كأنها صفة لازمة.

فإنك لو تأملت السياق: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] فهل المحبة صفة لازمة أو عارضة للمؤمن؟ لا شك أنها لازمة، وكذلك قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤] هل هي لازمة أم عارضة؟ أيضاً لازمة وثابتة، إذاً يجاهدون في سبيل الله لازمة، لماذا؟ لأنه من المستحيل أن تكون بهذه الدرجة، وأن تدعو إلى الله، ولا تجاهد في سبيل الله؛ فلابد من المجاهدة.

هذه الأمة في مجموعها لا بد لها أن تجاهد؛ لأن من سنة الله تعالى أنه ما قام أحد بأمر هذا الدين إلا عودي، وهذا ما علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورقة بن نوفل، فأول ما نزل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي، لم يكن قد قرأ عن أخبار الأنبياء من قبل، ولا علم ولا عرف ما ابتلوا به، فأتت به خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وكان رجلاً كبيراً قد أسنَّ، فذكرت له ذلك، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا ليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك فأنصرك نصراً مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي ومات، فتعجب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما سمع ذلك فقال: {أو مخرجي هم} لماذا يخرجونني؟ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] هل فيها شيء يتطلب الإخراج أو الأذى؟ فقال له ورقة {ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي} وهو لا يعلم الغيب، ولكنه يعلم أنها قاعدة وسنة ماضية للرسل من قبل؛ لأنه يقرأ لأهل الكتاب أنه ما جاء نبي من الأنبياء ودعا إلى الله إلا عودي وحورب وأوذي؛ فمنهم من قتل، ومنهم من طرد، أو أوذي، أو حبس، أو إلى آخره.

فلابد من نوع من الأذى والابتلاء يصيب الداعية إلى الله، ولهذا يقول الله تعالى لعبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:٤٣] فليس فيه جديد {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:٥٢] نفس العبارة {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات:٥٣] هل كتب قوم نوح وثيقة وقالوا: يا عاد.

إن بعث إليكم رسول يقول لكم اعبدوا الله فقولوا له كما قلنا؟ وهل كتبت عاد إلى ثمود إذا جاءكم وبعث فيكم رجل ودعاكم إلى مثل ما دعانا إليه هود فقولوا له كما قلنا؟ أبداً.

لم يتواصوا به، إنما هي سنة واحدة، الطغيان واحد، والإعراض واحد، والرد واحد؛ لأنه كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيرا} [الفرقان:٣١]، إذاً: ما دام الأمر كذلك فكل من تصدَّى لهذا الدين لا بد أن يجاهد.