[حقيقة الفن التشكيلي وحكمه]
السؤال
ما المقصود بالفن التشكيلي وإلى أي شيء يهدف؟
الجواب
الكلام في هذا يطول، ونحن كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} والفن إذا كان المقصود به ما يراد أو ما نظنه الآن نحن من الفن وهو: إظهار صور معينة من خلق الله، أو مما يعتلج في نفس الفنان أو الشاعر كأن يقول قصيدة جميلة، أو يرسم منظراً جميلاً لا حرج في كل ذلك، وهذا إن لم يكن فيه تأثير على جوانب الدين وصميم التوحيد فهي مما تباح.
والحمد لله أن في ديننا فسحة وهو الحنيفية السمحة، لكن إذا ارتبط أدبنا وفننا وشعرنا ونثرنا بمناهج مستوردة لا ندري ما حقيقتها، فأنا أنظر إلى لوحة وأقول هذه تشكيلة، لكن إذا سألت الفنان عنها قال: أنا سريالي، والآخر يقول: أنا واقعي، والآخر رومانتيكي.
والآخر يقول: تكعيبي، والخامس يقول: أنا مستقبلي، فما هي هذه التكعيبية والمستقبلية والرومانتيكية، سبحان الله!! هذه ليست مناظر بل هذه عقائد وأديان، فهي تعبير عن أديان واعتقادات معينة نشأت في بيئة لا تؤمن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والغرب يربطون نهضتهم في القرن الثالث عشر والرابع عشر بنشأة الأدب والفن، فأول ما بدأت وانطلقت النهضة الأوروبية والحضارة الغربية، من إحياء الآداب الإغريقية، وهذا شيء معروف لا ينكره أي إنسان مُطلِّع على الفكر الغربي والحضارة الغربية.
فبدأت الحضارة الغربية تشق طريقها بعيداً عن الدين، وعن عصر الظلمات المرتبط عندهم بالدين بشعر دانتي وبـ مايكل أنجلو وبيكاسوا وأمثالهم من الرسامين ومن الشعراء والأدباء.
ثم بعد ذلك ظهرت العلوم التجريبية، وأول ما ظهرت في القرن السابع عشر تقريباً، وأول ما بدأت بالآداب، وهذه آداب جاهلية وثنية ثم تطورت على شكل مدارس واتجاهات لا داعي لذكرها، وقد لا تفهم إذا أطلنا في ذكرها، حتى وصلنا إلى ما يُسمى في هذا الزمان بهذه الفنون، أو المدارس في الفن، وهي في الحقيقة عقائد.
مثلاً: إذا نظرنا إلى المدرسة الرومانسية أو الرومانتيكية نجد أنها تقوم على الطبيعة في الأساس وعلى المناظر الطبيعية ومناجاة الطبيعة إلى غير ذلك.
والسريالية تقوم على الأحلام، لأن سريالي معناها: فوق الواقع، وما فوق الواقع لا يرسم لك شجرة أو نهر، فهذا يعتبر فن كلاسيكي وتقليدي لا يرضى به، لكن يرسم لك منظراً، عبارة عن ألوان متداخلة متشابكة لا تستطيع أن تفهم منها ما يريد الفنان، وإذا سألته يقول: يمكن أي شخص منا أن يرى اللوحة ويفهم منها أي شيء.
وأنا أنقل لكم قصتين واقعيتين، والقصص تروح على النفوس أحياناً.
القصة الأولى: كان معرض الفن التشكيلي في باريس قبل سنوات، فجاء الزوار من جميع أنحاء العالم، وعرضت اللوحات، وقبل الافتتاح عملوا مسحاً عاماً وقاموا بتنظيف المعرض، فأحد عمال النظافة -عمال أُميين ونحن أيضاً أميين بالنسبة للفن لا ندري كيف شكل اللوحة ولا نعلم ما فيها- نظف إحدى اللوحات ثم قلبها ونكسها -وهذا الكلام موجود في المجلات، وربما منكم من قرأه- وجاء الناس وتزاحموا عند هذه اللوحة، وأخذوا يتعجبون منها، كيف هذا المنظر؟ وماذا يريد الشاعر؟ وكيف هذه الألوان؟ وكيف وكيف؟ فبلغ الأمر إلى صاحب المعرض أن هناك أناس متجمعين، وصاحب المعرض ليس فناناً، إنما هو أمي لا يدري، وقال: لا تؤاخذونا، فإن اللوحة منكوسة، ثم أعاد اللوحة كما هي، ولم يعلم أن الإعجاب إنما أتى من كونها منكوسة.
والقصة الثانية: وهي واقعية: إذا قرأتم عن حياة الرسام الرومانسي المشهور بيكاسوا يقولون في حياته: إنه أراد أن يأتي بلوحة لم يسبقه إليها أحد، فماذا فعل؟ أخذ إناءً كبيراً وجعل فيه ألواناً وخلطها مع بعضها، ووضع لوحةً عند ذيل حمار، وأخذ الحمار يصبغ الألوان بذيله، فأصبحت بزعمهم لوحة، ثم بيعت بآلاف الدولارات، وحدَّث بهذا تلاميذه ونشروا ذلك عند الحديث عن حياته.
قد يتعجب أحد ويقول: هؤلاء ضد الفن، فنقول: نحن لسنا ضد الفن، ولا ضد الأصالة، ولا ضد أي شيء جميل أبداً، فديننا دين الجمال، ودين الفسحة، وديننا دين النظافة، وديننا دين التفكر، لكن نحن ضد التبعية العمياء، أناس مرضى، لا يدري أحدهم لماذا جاء لهذه الحياة؟ وهو يعاني من الألم النفسي ومن التمزق الداخلي، وأكثرهم ينتحر لأنه لا يعرف لهذه الحياة قيمة ولا معنى، لكن وجد الناس يشهرون به ويمدحونه لأنه سريالي، أو فرويدي، وهو إنما يأتي بهذه الأحلام من الفراغ.
فنقول: إن كان هذا الفن عن الأصالة، وتعبير عن أمور حقيقية أو جيدة أو يخدم هدفاً أدبياً فنياً سامياً فمرحباً به، وأنا ما رأيته، ولكن أقول: إن كان كذلك فالحمد لله، وإن كان كما نقرأ عادةً، فيقولون: فنان سعودي سريالي، وفنان سعودي رومانسي وهكذا إلى آخره فلا يا أخي.
الفنان المسلم يجب أن يكون مسلماً حقاً لا ينتمي إلى أي مدرسة من هذه المدارس، وعليه أن يتقيد في رسمه بالأصالة، وبما جاء عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويرسم الشيء الذي فيه العظة، وما أكثر وما أوسع المجال في ذلك والحمد لله.