الله تبارك وتعالى عندما بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، استجاب له الشباب، وكفر به الشيوخ؛ وإذا أردت أن تعرف دليلاً واضحاً على ذلك، فانظر كم عاش أصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بعده، عاشوا أربعين سنة وخمسين سنة ونحو ذلك، فهذا دليل على أنهم لو كانوا من جيله أو قريباً من جيله (كـ الصديق رضي الله عنه) لتوفي أكثرهم في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل كان أكثرهم شباباً! بل المساجد إنما يرتادها ويكثر فيها من المصلين في دهره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى اليوم الشباب، ممن نقول إنهم الأطفال على سبيل التجوز وإلا فليسوا بأطفال، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى عندما وصفهم، وصفهم بأنهم رجال فقال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}[النور:٣٦ - ٣٧].
لو أن كل واحد منا صحب أبناءه إلى المسجد لوجدنا أن أكثر من ثلاثة أرباع المسجد من الأطفال أو الشباب! أليس كذلك؟! إذا كان كل منا عنده أربعة أو ثلاثة أو اثنان أو خمسة، فيكون الأكثرية كذلك، فينطبق عليهم أنهم رجال، كيف خرجوا من الطفولة إلى الرجولة؟ هل هو بالانتقال إلى المرقص أو الملهى أو الملعب؟ لا والله؛ بل هو بالانتقال من البيت إلى المسجد، ينتقل هؤلاء من وصف الطفولة إلى وصف الرجولة كما دلَّ عليه كتاب الله.
إذن الرجل -أولاً- يتلقى مبادئ الرجولة من المسجد، انظر إلى من تراه رجلاً بجثته؛ لو قلت له: قم أمام الجماعة في قرية فقط وألقِ كلمة، أو تقدم صل بالناس (وهو مجرد ذكر ليس برجل) يخاف ولا يستطيع!! لكن لو أتيت إلى رجل من هؤلاء الرجال -حفظة القرآن- فإنه يتقدم ويصلي بنا ويقرأ الأجزاء الطويلة! أليس هذا رجلاً؟! هذه الرجولة من أين تعلمها؟ من المسجد، ولو قلت له: قم اخطب الجمعة، لقام وخطب! وهكذا تربى الصحابة الكرام على هذه الرجولة، وتنافسوا فيها.
وأبناء الصحوة الإسلامية المباركة كل من كان في ميدان من ميادين العلم والجهاد والدعوة، هؤلاء يجب علينا -نحن المربون- أن نعيد فيهم هذه الرجولة، ونربيهم على هذه الرجولة؛ إذ لا رجولة غيرها، وكل ما عداها فهو لهو، وعبث، وتضليل، بل ربما كان فتنة لهم، بل ربما كان إخراجاً لهم من دينهم وإيمانهم وعقيدتهم؛ فالرجولة إنما تنمو إذا اقترنت بإحياء المساجد، وبإقامة الدين، وبتحفيظ كتاب الله تبارك وتعالى، وبالأمر بالمعروف، وبالنهي عن المنكر، وبالدعوة إلى الله عز وجل، هنالك يكون محضن الرجولة، وهنالك يصبح الصغير رجلاً، ويصبح بطلاً؛ كـ محمد بن القاسم، وطارق بن زياد، وأمثالهما من الفاتحين الذين فتحوا أمماً عظيمة، وهم في سن لا نقارنه ولا نقيسه إلا بشباب ما يسمى بالثانوية!