[كيد الكافرين للمؤمنين سنة كونية لا تتغير]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام: يقول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] ويقول جل شأنه: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧] ويقول تبارك وتعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩] فعداوة أهل الكتاب من اليهود عباد العجل، ومن النصارى عباد الصليب، وعداوة المنافقين المندسين في هذه الأمة مما لا يخفى على من تدبر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذه العداوة الحاقدة الآثمة مرجعها إلى أن الشيطان يؤز أولياءه أزاً، ويدفعهم لمحاربة الحق دفعاً، فالباطل -أيها الإخوة الكرام- يكره الحق ويترصد له، حتى وإن غفل أهل الحق أو تعاموا عن عداوة الباطل، والشيطان وأعوانه يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، لا يكفون لحظةً واحدة عن الكيد لهذا الدين وأهله، بكل ما يستطيعون من الوسائل.
وإن من أعظم الكيد ما نقرأه وقرأناه جميعاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تعاون عليه المشركون واليهود، ثم النصارى والفرس والروم فيما بعد، تعاونوا على طمس دين الله تبارك وتعالى، وعلى إفساد الأمة الإسلامية وإخراجها من دينها الرباني العظيم، ولا تزال هذه المعركة قائمةً إلى قيام الساعة، إلى حين أن يغزونا الروم بين يدي الساعة في ثمانين راية، تحت كل راية ثمانون ألفاً.
لا تزال المعركة مستمرة بين الحق وبين الباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد كانت المعركة فيما مضى أكثر ما تدور رحاها في المجال الحربي، حيث كان أعداء الله يظنون أن هذه الأمة هي حدث تاريخي مثل الأحداث التاريخية التي تأتي ثم تنقضي، مثلما قامت دول وحضارات ثم انقرضت وبادت، ولكن الحقيقة الكبرى صدمتهم صدمةً رهيبة، فقد تكفل الله تبارك وتعالى بحفظ هذا الدين وحمايته، وإظهاره على الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون، صدمهم ذلك وجعلهم يفكرون في وسائل أخرى للحرب والغزو.
وبالرغم من أن المعركة لم تهدأ على جميع الجوانب، فإن أول ما يمكن أن يقال: إنه تنظير حقيقي فعلي ذاتي لموضوع الحرب غير العسكرية على الإسلام، وبرمجة لها هو ما كتبه لويس التاسع، ذلك القائد الصليبي الذي كان حاكماً لـ فرنسا، وقاد حملات صليبية على الشرق المسلم، وهُزم مرات، وعجب قومه: لماذا نهزم دائماً مع المسلمين؟! لماذا تكون النتيجة خاسرةً دائماً إذا واجهت جيوش الصليب جيوش التوحيد؟! ففكروا وقدروا، فوجدوا أن الأمر لا يعدو التمسك بهذا الدين.
إن سبب النصر سبب انتصار المسلمين هو تمسكهم بدينهم، كما قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: [ألا عمل صالح قبل الغزو؛ فإنكم إنما تنصرون بأعمالكم] وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لـ سعد بن أبي وقاص: [اتق الله ومن معك من المسلمين، فإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله وبطاعتهم له، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية كان الفضل لهم علينا في القوة].
عند ذلك كتب لويس وصيته التي ملخصها وموجزها أنه لابد للقضاء على أمة الإسلام من هدمها من الداخل، وإبعادها عن دينها وتنحيتها عنه.
ولنتجاوز الأحداث والقرون لننتقل إلى العصر الحديث حيث طبقت هذه الوصية، وهو: التطبيق المتمثل في الغزو الاستعماري الذي تعرضت له الأمة الإسلامية، والذي صاحبه وواكبه غزو فكري على مستوىً ومجالات كثيرة.