النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول ويردد في خطبه:{كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار} وكلمة "كل" من ألفاظ العموم، فإذا قلت لك: كل الناس صلَّى العشاء؟ فأنت تقول: لا، أنا رأيت مجموعة لم يصلوا، أو إذا قلت لك: كل الناس مسلمون؟ فأنت تقول: لا.
يوجد من هو مسلم ومن هو غير مسلم، وإذا استدركت فمعناه أن العبارة خطأ، إذاً ما رأيك فيمن يقول: البدعة منها ما هو حسن ومنها ما هو بدعة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:{كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار} أليس هذا يستدرك على رسول الله -نعوذ بالله من الضلال- من هذا الذي يجرؤ أن يخطئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! مع أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرددها دائماً في خطبه، وخطباؤنا في كل جمعة يقولون: كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار، لماذا كررها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكررها أصحابه، ويكررها الأئمة أيضاً؟ فليس هناك بدعة حسنة أبداً! قد تقول: بعض العلماء قالوا مثل هذا الكلام، كبعض علماء القرن الخامس أو السادس، فنقول: أولاً: إننا نتبع ما جاء عن الله، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدين، والسلف الصالح، لا أئمة القرن السادس ولا السابع.
ثانياً: الأئمة الذين قالوا: إن البدعة خمسة أحكام: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحرم، يقصدون المعنى اللغوي، ولهذا يقولون: بدعة واجبة، مثل جمع المصحف أو بناء المساجد، فهذه ليست بدعة، لأنه يقصد بها الشيء الجديد فقط، وهو المعنى اللغوي للبدعة، فنقول: هذا الكلام بهذا التخصيص اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن الاصطلاح إذا فهم منه غير الحق، أو إذا كان وسيلة لأصحاب البدع إلى الباطل، فإنه يكون خطأ، ولا نتخذه، لأنه يمكن أن يكون وسيلة إلى الشرك، وإن كان هو في ذاته لا يدل على الشرك بالضرورة، فإننا نتركه، ونجتنبه، لماذا؟ لأنه من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فنتقي الشبهات بأن نترك ذلك.
نقول: هذا الكلام جرأ أهل البدع، لأنهم أصبحوا يبتدعون ما شاءوا في الدين، ويقولون: هذا من قسم البدع الحسنة، مع أن العلماء كـ العز بن عبد السلام الذي قال هذا الكلام ما قصدوا هذه البدع، وإنما قالوا هذا على الأشياء الجديدة الحسنة، فلنفرق بين هذا وبين هذا، وحتى لو فرض أن أحداً كائناً من كان قال بخلاف ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلامه مردود غير مقبول، ويبقى العموم محفوظاً في قوله صلى الله عليه السلام:{كل بدعة ضلالة} وقوله: {من عمل عملاً}، فعملاً نكرة مطلقة، {ليس عليه أمرنا فهو رد} وفي رواية: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه} فكلمة "ما ليس منه" تشمل كل شيء إذاً ليس هناك أي تخصيص لعموم ما نهى الله عنه ورسوله عنه من البدع.