[السؤال عن صفات الله]
السؤال
هل صحيح -كما يذكر بعض العلماء- أن السؤال في أمر الصفات من الأمور المحدثة، وأن الصحابة لم يكونوا يسألون عنها؟
الجواب
هذا كلام مجمل، يجب أن يفصل، إن كان القائل يريد أن يقول: إن الصحابة لم يسألوا عن صفات الله مطلقاً، ولم يسألوا عن معرفة الله، ولم يستوضحوا شيئاً يزيدهم معرفة بالله، فهذا باطل، بل سألوا أسئلة كثيرة في هذا.
وأما إن كان مراده أن الصحابة رضي الله عنهم آمنوا بأحاديث الصفات وآياتها، ولم يسألوا عنها ولم يجادلوا فيها ولم يخوضوا في كيفيتها، بل لما قال رجل للإمام مالك أو لـ ربيعة: كيف استوى؟! قال: إنك رجل سوء.
وطرده من المجلس، نقول: إن كان هذا فنعم، فالصحابة رضي الله عنهم أجل وأعظم وأقرب إلى الله تبارك وتعالى، وأعرف به من أن يسألوا عن كيفية صفات الله أو أن يجادلوا فيها, أو يخوضوا بما لا علم لديهم ولم يقفوا به علماً، إذاً هذه المسألة.
أما سؤالهم عن شيء يتعلق بالله فقد كانوا يسألون، فقد سألوا عن أفعال الله وعن أمور عظيمة جداً ومن الأمثلة على ذلك، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] سأل الصحابة عن ربهم سبحانه: أقريب -ربنا- فنناجيه أم بعيد فنناديه؟! سألوا عن الضحك، سألوا عن رؤية الله سبحانه، حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، لما جاءه أهل اليمن، قالوا جئنا نسألك عن أول هذا الأمر كيف كان؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كان الله ولم يكن غيره شيء، وخلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء}.
هذا أعظم سؤال في تاريخ البشرية، لا يوجد سؤال يسأل عنه الناس أكثر من هذا السؤال، حتى الكافرون والملحدون يسألون عن نشأة الكون كيف بدأ، الشيوعيون الذين لا يؤمنون بخالق يبحثون بحثاً طويلاً عن نشأة الكون، وهذا العالم الكبير جداً -عالمهم أوبا ريل -حاول أن يضع لهم نظرية في نشأة الكون وغيره وغيره، فأهم قضية هي كيف نشأ هذا الكون؟ وهؤلاء ليسوا من خلص الصحابة أيضاً، إنما هم من أهل اليمن، وفد جاءوا ليسلموا وجلسوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبلوا البشرى -بعد أن ردها بنو تميم- {اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، قالوا: قبلنا يا رسول الله} فجاءوا وجلسوا وسألوه عن هذا يدل على أن أذكى وأعقل الناس وأبعدهم الناس نظراً، وأعمقهم فكراً هم الصحابة رضي الله عنهم.
أما المبتدع في الإسلام فهو يسأل أسئلة تحير الفلاسفة وتقض مضاجعهم, وهم يعلمون أن الجواب الشافي الكافي يأتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: جئنا نسألك عن أول هذا الأمر كيف كان؟ وهذا سؤال عظيم جداً، فبين لهم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الأول الذي ليس قبله شيء، ثم إنه خلق القلم -وهو المقصود بكتابة الذكر- وأمره أن يكتب كل شيء، فكتب كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم خلق الإنسان، خلق آدم ومنه جاءت الذرية، فعرفنا الجواب الذي يخوض فيه الخائضون ولا ينتهي خوضهم.
أما الكيفيات الأخرى، كنظرية الانفجار العظيم، وهي أكثر نظرية يدرسونها في علم الفيزياء وكيف نشأ الكون؟ وأن انفجاراً عظيماً أوجد هذا الكون ابتداءً، كما ذكر في ستة أيام والأيام عند الله سبحانه لا ندري ما هي بالضبط ولا يهمنا منها شيء، قال تعالى {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧] المهم أنه هو الذي خلقها وأن يقر الأمر هذا كما أخبر في كتابه، وكما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن التفاصيل التي يسيرون عليها ويتيهون ويضيعون فيها، لا يهمنا كثيراً، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت:٢٠] المهم أننا نصل إلى أن الله تعالى هو الخالق والموجد، وهو الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، وهو الذي وضع كل شيء بميزان، هذا هو الذي يجب أن نؤمن به، وهذه خلاصة المتكلمين والمتفلسفين والباحثين في هذه القضايا.
الصحابة رضي الله عنهم سألوا حتى عن القدر، قالوا: الأمر أُنف أم بما نستقبل ونستدبر؟ قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فأجابهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الأمر ليس أُنفاً وإنما قد كتبه الله كما في الحديث المعروف الذي رواه أبو بكر وجابر وعلي وأبو هريرة وأبو الدرداء وجمع من الصحابة رضي الله عنهم وهو أنه لا بد من العمل قال: {اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:٤ - ٩]} إذاً كل ميسر لما خلق له، ولكن هذا بناءً على عمل.