[المنهج الصحيح في التعامل مع المبتدعة]
السؤال
ما هو المنهج الصحيح في التعامل مع مبتدع يحاول نشر بدعته من خلال مؤلفاته، نرجو توضيح ذلك من خلال مواقف السلف الصالح مع المبتدعة، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
التعامل مع المبتدعة ليس له صورة، ولا حالة واحدة، بل إن كل أمور التعامل والمعاملة هكذا دائماً تختلف صورها؛ لأن البيئات، والأحوال تختلف؛ فالمبتدع الذي ينشأ أو يأتي ببدعة في بيئة مؤمنة عارفة بالحق، ويريد أن يضلها، ويصد عن سبيل الله، ويشذ بذلك عن جمهور الأمة، يختلف حكمه عن مبتدع نشأ في بيئة مليئة بالبدع، ليس للحق فيها صولة، وليس لـ أهل السنة فيها كلمة، ولكن هم قلة.
أي: إن كان أهل السنة في قوة، وكان أمرهم ظاهراً، وكان بيدهم أن يردعوا صاحب البدعة، فإذا استطاعوا باليد فلا يؤجلوا ولا ينزلوا إلى درجة اللسان، وإذا استطاعوا باللسان فلا ينبغي لهم التراجع إلى الإنكار عليه بالقلب.
أما إذا كان أهل السنة قلةً، وكانت البيئة مليئة بالبدع كما هو حال بعض الدول في هذا الزمان، وكان أهل السنة لا يستطيعون أن يظهروا سنتهم ودينهم وقولهم الحق، فإن الحكم حينئذٍ يختلف، والتعامل يختلف، فأي كتاب من كتب العقيدة تقرءون فيه تجدون قضية هجر أهل البدع واضحة جداً، بل إن سيرة الكثير من السلف الصالح رضوان الله عليهم تنبئنا عن معاملتهم لأهل البدع وأنهم هجروهم، فلا كلام لهم يسمع، ولا كتب لهم تنشر أو تقرأ، وكان بعضهم يقسم بالله ألَّا يظله هو والمبتدع سقف واحد، كما فعل ميمون بن مهران رضي الله تعالى عنه، وكان أيوب السختياني لا يسمح لأحد من المبتدعة أن يتكلم عنده أبداً، وغيرهم كثير، خاصة في عصر التابعين، حيث ظهرت أول البدع: الخوارج، والمرجئة، والقدرية، وتعلمون ماذا قال ابن عمر رضي الله تعالى عنه كما في حديث جبريل عليه السلام، وماذا قال ابن عباس -أيضاً- في أهل القدر.
وبالجملة فهي مواقف كثيرة جداً تمتلئ بها كتب العقيدة وكتب السير في مثل هذه الحالة.
لكن إذا كان الحال والأمر، كحال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، مع أهل الفتنة في زمنه عندما يكبل أهل السنة بالأغلال، ويرتفع شأن البدعة، فإنه لا ينفع الهجر، فإنما يهجر الإنسان لكي يرتدع، أما إذا كانت الأكثرية ضده، وإذا كان من يهجره قليل الشأن، ضعيف العدد، فإنه لا يأبه له، فالمجتمع حوله كثير، يعيش فيه، ويعبث كما يشاء، فما فائدة الهجر؟ وقد نص على ذلك شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في أكثر من رسالة له وفي أكثر من موضع: أن الهجر يتبع المصلحة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما تعلمون في أول الإسلام- في بدر وأحد لم يعاقب ولم يهجر من تخلف عن الغزو؛ لأن الأمة في أول أمرها، لكن بعد غزوة تبوك تعلمون حالة الثلاثة الذين خلفوا، وكيف كان مصيرهم، وكيف عوقبوا تلك العقوبة، فالهجر له أحكام، سواء في حق المبتدع أو العاصي.
ولكن في جميع العصور، والأوقات، وبحسب الطاقة والإمكان، يجب أن يكون هناك لله قائم بالحجة، وهذا أمر تكَّفل الله تعالى به، ولا بد أن يكون بإذن الله، لكن يجب أن يجتهد أهل السنة، وكل إنسان ليكون من أولئك، وليكون ذلك الرجل الذي يقوم لله تعالى بالحجة؛ لأنه كما قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه: 'إذا سكت العالم تقية، وسكت الجاهل لجهله، فمتى يظهر الحق؟! '.
فلا بد أن يتحمل أناس من أهل السنة حتى يظهروا كلمة الحق ويصدعوا بها، وأن يقفوا موقف الأنبياء مهما كلفهم ذلك، لكي يكونوا مرتكزاً لمن يرغب في الحق، وليكونوا مناراً لأهل الحق، وحجة قائمة على أهل البدعة والضلال.
فيجب أن يقام ذلك بحسب الطاقة، والإمكان، وهو على الأمة فرض كفاية، لكن كل إنسان بذاته، يُعادى ويوالى أو يُهجر بحسب المصلحة، وأيضاً يختلف الحال بين من له ولاية، ومن ليس له ولاية، فالسلطان كما كان المأمون مع الإمام أحمد، أو الأب مع ابنه، لا يعامل كما يعامل أي مبتدع آخر في الشارع، لأن له عليك حقاً، أو له عليك ولاية، فيجب أن تراعي هذا الحق، وهذه الولاية، وأن يكون إنكارك عليه وعلى بدعته بأفضل وأحسن الطرق، وبما يختلف عن معاملة أي إنسان آخر.