للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شقاء الإنسان وسعادته]

السؤال

هناك حديث معناه: أن الإنسان يخلق ويكتب شقياً أو سعيداً إلى آخر الحديث، فما معنى الحديث؟

الجواب

هي أحاديث كثيرة لكن لعل الأخ يقصد حديث الصادق المصدوق حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه {إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد}، فالبعض يقول: أنا مكتوب عليَّ شقي أو سعيد، فما الرد عليه؟ {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:٧٨] لماذا لا يقول: إن شاء الله أكون من السعداء ويصلي؟ والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما كذب المشركين {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام:١٤٨] هذه أولاً كذبة جاهلية قديمة يردون بها على الأنبياء {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:١٤٨] هيهات، أعندك علم أن الله كتبك شقي في بطن أمك؟ لا، فهذا هو {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:١٤٨] وهذا هو الذي أخرصهم، ثم قال بعد ذلك: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:١٤٩].

فالحجة البالغة التي أقامها الله على عباده هي هذا الدين، وهذا الرسول، ولهذا قال في سورة النحل، بعد نفس الاعتراض {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [النحل:٣٥] ثم قال الله بعد هذه الآية: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] فلو أن الله تعالى راضٍ عن شرككم وأعمالكم هذه، لما أرسل الرسل تحذركم منها، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:٣٦].

فذاك هداه الله فضلاً، وذلك حقت عليه الضلالة عدلاً منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذه الشبه كذبها الله تعالى في القرآن، فمن يعارض شرع الله بمشيئة الله فهذا هو حاله، لأن القدرية ثلاثة أصناف: قدرية إبليسية الذي قال زعيمهم إبليس {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:١٦] قال: بما أغويتني، نسب الغواية إلى الله، وهو الذي غوى، والله إنما قدر، لكن إبليس هو الذي غوى، وفسق عن أمر ربه وعصى، فهذه القدرية الإبليسية النوع الثاني: القدرية الشركية الذين قالوا: كما حكى الله عنهم في القرآن: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:١٤٨] فلو شاء الله اهتديت.

النوع الثالث: القدرية المجوسية الذين يقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه فهذه ثلاثة أنواع، وكل هؤلاء ضلال، وكلها أبطلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه، والصحابة رضي الله تعالى عنهم لما سألوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الأمور: {هل هي فيما نستقبل ونستأنف، أم في أمر قد قضي وقدر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل في أمر قد قضي وقدر.

قالوا: ففيم العمل إذاً؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق، له.

ثم قرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:٥ - ١٠]} فعلامة الشقي أنه ميسر له عمل أهل الشقاوة، وعلامة السعيد أنه ميسر له عمل أهل السعادة، وهو الذي يختار ذلك، لكن لا يحتج بما قد كتب، وهو لا يدري ماذا قد كتب.