حادثة الجزائر هذه نأخذ منها العبرة، فما دام أنهم استطاعوا أن يحركوا هذه الملايين فممكن أن يصلوا، ولو انهارت النظم الموالية للغرب وجاءت نظم إسلامية كما يسمونها أصولية، ماذا ستكون النتيجة؟! لم يبق هناك أي حل إلا حل واحد فقط وهو المواجهة العسكرية، والتدخل العسكري المماثل.
لأن الأحزاب العلمانية والاشتراكية والشيوعية والنظم الموالية لهم ضاغطة وقائمة وتحمي إسرائيل وتدعم وجودها، والطوائف الباطنية التي تشقق العالم الإسلامي والطوائف الصوفية، وغير ذلك قائمة بجهود، فإذا سقط القناع وسقطت هذه الجهود والنظم، فماذا يبقى أمام الشرق والغرب وهم أقوى وأكثر العالم عدداً إذا توحدوا؟ إذاً: لا يوجد حل إلا التدخل العسكري المباشر.
إذاً: ممكن أن تتكرر حملة صليبية جديدة على العالم الإسلامي، ونحن نعطي هذا كمثال؛ لأن هذا المثال قد ورد وعرفه العالم وسمعه، فمثلاً فرنسا ستضطر أن تنزل إنزالاً عسكرياً في الجزائر لو أن المسلمين هناك وصلوا إلى أن يحكموا البلد، وقس على ذلك بقية البلدان، فماذا ستكون الحالة؟! وخاصة أن المصالح الغربية ستتضرر، بل قد تنعدم إذا وعى المسلمون دينهم ورجعوا إلى عقيدتهم وأصبحوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، فهنا ستكون الملاحم العظيمة.
ونحن نقول: لعل في ذلك خيراً، وهذه مجرد توقعات، والله أعلم كيف ستكون النتيجة، لكن نقول: إذا حصل ذلك فلا نتيجة لذلك إلا الملاحم التي ستكون بيننا وبين أولئك القوم، ونقول هذا الآن ولا نستعجل الأحداث ولا نستبقها، ولكن نقول: لنأخذ العبرة والعظة، أين نحن؟ هل واقع الأمة الإسلامية -الآن- يهيئها لمقاومة ومواجهة هذا الزحف الهائل بهذه القوة الرهيبة؟! وإذا كانت حرب النجوم أو أشباهها بعد عقد أو عقدين، ولو بعد مائة سنة، إذا أصبحت مسخرة فقط لحرب المسلمين، وتعاونت القوتان مع بعضهما؛ وأصبح العدو المشترك هو هذا العالم الإسلامي! فهل الأمة الآن تربي أبناءها ذكوراً وإناثاً، وتوجه وسائل إعلامها وشعوبها لهذا الخطر الداهم ولمقاومته، وهنا سؤال يطرج نفسه وهذا السؤال الكبير يفرض نفسه ونحن في غمرة العاطفة والابتهاج بسقوط هذا النظام الخبيث.
أقول: نحن المسلمين دائماً ندغدغ بالعواطف، مع أننا نحمد الله ونشكره على انهيار هذه النظم، وسوف ينهار الكفر كله، وسوف يبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار -بإذن الله- وسوف نغلبهم، وسوف ندخل روما بإذن الله، وهذا لا شك فيه، لكن ماذا أعددنا؟! {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:٣٨] الدين منصور، ولكن على يد من؟ إن لم يقم به من سمع ووعى وعقل؛ فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يذل هؤلاء بأولئك الكفار، ثم يستخلف من بعد ذلك قوماً يحبهم الله ويحبونه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[المائدة:٥٤] هؤلاء الذين سينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما من يواليهم، ومن يأخذ أنظمتهم، ومن يتبع طرقهم في الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية، أو يعتبرهم قدوة له، وأساتذة وقواداً ورواداً فهؤلاء جديرون بأن يسقطوا في أحضانه، وجديرون بأن يلفظوا من الشرق ومن الغرب، أي أن الأمة الإسلامية ستلفظهم، والغرب سيلفظهم -أيضاً- إذا لم يقوموا بالدور المطلوب، فإذا رأى الغرب أنه فشل في تحقيق المهمات التي يريدها فمهما قدم لهم من تضحيات، فإنه يركلهم كما تركل الحذاء ويأتي بغيرهم.
ولهذا نقول: اتقوا الله يا أولياء المسلمين، اتقوا الله يا من تنادون بـ الاشتراكية وما تزالون تنعقون بها في بلاد الإسلام، واتقوا الله يا دعاة العلمانية، واتقوا الله يا دعاة الربا، واتقوا الله يا دعاة التحررية والديمقراطية، وأشباهها مما أوجعتم به قلوب المؤمنين وأفئدتهم، اتقوا الله في هذه الأمة، وثقوا بأن هذا الدين باق منصور، وصدق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما قال:{لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله} فنحن ننتظر ذلك بإذن الله تعالى.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم العظة والعبرة مما نسمع ومما نرى، وأن يجعلنا له جنوداً مخلصين صادقين، وأن يعز بنا هذا الدين، وأن نكون وسيلة لإيقاظ هذه الأمة اللاهية في شهواتها، العابثة في ملذاتها لتعرف عدوها، وتعرف ما قيمة دينها، وتجاهد في سبيل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتعرف أنها خلقت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، ولم تخلق لتقلدهم في ملاهيهم وألاعيبهم ومسارحهم ومراقصهم، وتعيش كما يعيشون حياة البهيمية والانحطاط، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحقق ذلك، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.