التزكية كلمة أبلغ من أن تشرح أو تفصل بكلمة أخرى، فهي تعني: التطهير من الأدناس، والأرجاس في القلب، والجوارح، والمشاعر، والفكر، والعقل، وفي كل شيء.
فالله -تبارك وتعالى- بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مزكياً لهذه القلوب من خلال التوحيد، فالتزكية بالتوحيد تعني: التخلص من الشرك، والذنوب، والمعاصي، والشهوات، والشبهات، وكل أدران النفس الإنسانية في اعتقادها، وسلوكها، وأعمالها، وتصوراتها، وقيمها، فحينما نشهد أن لا إله إلا الله، ونعبد الله، ونفرده بالعبادة، ونزن كل أعمالنا وأمورنا بمقياسٍ ومنهج ومعيارٍ واحد، وبقيمٍ واحدة، هي ما جاء بها محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهكذا كان الجيل الأول: السلف الصالح ومن اتبعهم، كل أمرٍ في حياتهم كانوا ينظرون إليه من زاوية ما قاله الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من زاوية العقيدة، ومن باب الإيمان بالله تعالى، ومن باب هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
واليوم نرى بعض المتخصصين في مجالٍ ما لا يخضعون هذا العلم للعقيدة، ويقولون: لا وصاية لعلمٍ على علم، لا وصاية لأناس على أناس، ولا كهنوت في الإسلام، ولا رجال دين في الإسلام.
نعم.
لا كهنوت ولا رجال دين، بل حتى ولا وصاية، ولكن شهادة أن لا إله إلا الله التي بعث بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي أن يكون شعورنا وموازيننا، وقيمنا وعلومنا، وحركة فكرنا، ونشاطنا كله مأخوذٌ مما جاء به محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس أحد في هذا بأولى من أحد، ولهذا فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن التربية دون أن نتكلم عن علم الاجتماع، أو علم النفس، أو علم السياسة، أو علم القانون أو التشريع، أو الاقتصاد، لا يمكن ذلك حتى في الدراسات الجامعية، إذا درست التربية وأصولها تجدهم يبدءون من التربية عند القدماء -الرومان واليونان مثلاً- ثم التربية في العصور الوسطى، ثم التربية عند علماء المسلمين، ثم التربية الحديثة، ثم المعاصرة، فإن كان الطالب في الاقتصاد -أيضاً- فإنهم يبدءون بالسلسلة نفسها: الاقتصاد عند أرسطو -مثلاً- واليونانيين، ثم العصور الوسطى، ثم يتعرضون لنظريات هوبز، أو جان جاك روسو مثلاً، إلى آخره، وكذلك في علم الاجتماع يبدءون بنفس السلسلة، علم الاجتماع عند أرسطو، ثم أفلاطون، ثم هوبز، وروسو، وديكارت إلى آخره، الشيء نفسه في كل علم يبدءون بهذا.