النداء الثالث هو: طلب ما يحتاج إليه العباد ويضطرون إليه في معاشهم وحياتهم الدنيا، فقال:{يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم}.
نعم:{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}[العنكبوت:١٧] فالناس غالباً ما يعلقون طلب الرزق بالأسباب، فكل الناس -حتى أكثر المسلمين- يعلقون طلب الرزق إلى الأسباب؛ وينسون خالق الأسباب، وينسون الرزاق ذا القوة المتين الذي تكَّفل فقال:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}[هود:٦].
ومع ذلك، فإن أكثر الناس لا ترتفع أنظارهم إلى خالق السماوات والأرض، الرازق المحيي المميت، بل ينغمسون في طلب الأسباب ويلهثون ورائها، وكثيراً ما يخرج بهم ذلك عن الطريق المستقيم، فيقعون في معصية الله، ويبتغون رزق الله بمعصيته، ظناً منهم وجهلاً أنهم بذلك ينالون فضل الله، وينالون رزق الله تبارك وتعالى، وهو يقول:{يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته}، فهو المطعم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يُطْعِمْ ولا يُطْعَمْ، وهو الذي يمنُّ على خلقه بهذا الرزق، وكل ذي كبدٍ رطبة، فالله تبارك وتعالى يرزقه ويكلؤه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
{فاستطعموني أطعمكم}، فاطلبوا الرزق مني وحدي، فمن طلب الرزق من الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، فقد كفي مؤونة الرزق، وكان مع ذلك ذا عزةٍ وتعففٍ وترفعٍ، لا يجده أبداً من طلب الرزق من البشر، أو من الأسباب المخلوقة المنقطعة عن الله تبارك وتعالى.
فثنى الله -تبارك وتعالى- بطلب الرزق والإطعام بعد طلب الهداية منه وحده لا شريك له.