للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذلة المخالفين للشرع]

ولقد منَّ الله تبارك وتعالى على ذلك الجيل من أولئك الصحابة، ففتح لهم الأرض وسخَّر لهم خزائن كسرى وقيصر، حتى أنفقوها في سبيل الله تبارك وتعالى، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل} وأنفقت، لأن من حقق العبودية لله جعل الله تبارك وتعالى عباده الآخرين عبيدًا له، فجاءوا بأبناء الملوك مصفدين بالحديد، وهم لهم حضارات ولهم وسائل ولهم ولهم من التطور والتقدم ما لهم، ولكن! إذا عصينا الله عز وجل؛ فإننا نهون عليه تعالى، حتى يسلط علينا أولئك، فنكون عبيدًا لهم عافنا الله وإياكم.

ولهذا لما جيء إلى أحد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض الأسرى -وكانوا من قبرص أو من بعض بلاد الروم - فرآهم عظاماً ضخام الجثة ومن الروم والعرب كانوا يهابونهم، فلما رآهم بكى.

قيل: لِمَ تبك؟! أتبكي وقد أعز الله الإسلام وجاء بهؤلاء القوم عبيدًا مقرنين بالسلاسل؟! قال: إني لا أبكي أن الله تعالى أعز الإسلام، ولكني أبكي أنني رأيت قومًا عصوا الله عز وجل فهانوا عليه، فجيء بهم هكذا بعد العزة والمنعة، وإنني أخشى أن نعصي الله عز وجل فنكون عليه أهون من الجعلان! نعوذ بالله! وهذا هو الذي وقع في هذه الأمة فيما بعد، هانت على الله عز وجل، فسلَّط عليها التتار والصليبيين، وسلَّط عليها المستعمرين من كل حدب وصوب، حتى ترجع إلى دينها.

فالذل مرتبط بالمعصية، والعزة مقترنة ومرتبطة بالطاعة، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا وإياكم ممن يعزه الله تعالى بطاعته، ولا يذله بمعصيته، إنه سميع مجيب.