[أمثلة توضيحية للقاعدة]
وأعود للمثل الأول وهو ترك صلاة الجماعة، فهو منكر ظاهر لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نتهاون به، بل نبدأ به، وعليه يقوم إنكار المنكر الباطن، وأقل ما في الأمر إن لم أغير فعلى أن أتصل بمن يغير ولن يكلفني ذلك شيئاً، فبالتلفون -مثلاً- أتصل للهيئة وأبلغها عن هذا المكان وهذا المقهى وهذا التجمع.
ولا ننظر إلى من يقول: البدء بالحسنى، فنحن -أيضاً- نقول لا بد من البدء بالحسنى، وبالحكمة، لكن ليس ذلك في كل أمر وفي كل وقت، فصاحب المحل الذي تمر عليه كل يوم وهو يسمع الأذان ويبيع ويشتري، أو يشرب الشيشة في المقهى، ويسمع الأذان ويصلي الناس ويخرجون وهو في مكانه جالساً، فأول يوم تعظه، وثاني يوم تنصحه، وثالث يوم تخبر عنه الهيئة، فإذا قالوا: أخطأت التصرف، والدعوة إلى الله لا بد أن تكون بالحكمة، فما هي الحكمة التي تريدون؟ يقولون: حتى يقتنع الإنسان ويفهم.
فهل وصل بنا الحال إلى أن أصبحت الصلاة مما يُقنع بها المسلم؟ سبحانه الله! الصلاة أمر معلوم لدى كل إنسان، وبالذات في المدن والقرى، فإذا قال يجب علي أن أتلاطف مع تارك الصلاة، وأشرع معه في دعوى طويلة حتى يقتنع بعد شهور أو سنين، فإذاًَ متى أصل إلى تغيير المنكرات التي تحتاج إلى صبر وتحتاج إلى أناة؟ إن هذه الأمور لا نقول فيها بالعجلة والتهور، بل نحن هنا نضع الضوابط ونمنع التهور والاندفاع والعجلة؛ لكن الضوابط لا تعني الإلغاء، فشيء مؤلم ومؤسف أن بعض الإخوة الدعاة، يقولون: لا بد من الحكمة، ولا بد من ضوابط ولا بد من قواعد، فكانت النتيجة ألا إنكار لمنكر، فإذا وصلنا إلى ألا ننكر أي منكر بحجة الحكمة، والضوابط فهذه خسارة كبرى نعيشها، فلابد في المنكرات الظاهرة المعلوم أنها منكر يجب أن يكون تعامل المجتمع معها تعاملاً حازماً حاسماً فيها.
فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو سيد الحكماء في دعوته وفي كل حياته- أمر أن نضرب الابن إذا لم يصلِّ لعشر، وقبل ذلك ثلاث سنوات موعظة، وأمر، وتشجيع، لكن في العاشرة ضرب، فإذا قيل: لماذا تضرب؟ فنقول له: هذا هو ما سنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما لو أخطأت فلم آمر ولم أنهَ، ولم أشجع وأحث، وأحض، وبدأت بالضرب فأكون في ذلك الحين قد خالفت سنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكون قد أنكرت المنكر وأمرت بالمعروف بطريق مخالف للسنة، لكن الذي يقول: (إذا كبر ابنك آخيه) فإذا أصبح هذا حالنا، وكل واحد في المجتمع ترك ابنه يفعل ما يشاء فسوف يصبح المجتمع كله إخوة في المعصية، وهذا لا يجوز أبداً.
فيجب على الزوج أن يكون حازماً مع زوجته، فيعظها ثم يذكرها وينصحها؛ لكن لو أدى الأمر إلى أن يضربها حتى لا تذهب إلى السوق فليضربها، وهذا واجب، وإلا فهو -عياذاً بالله- ديوث، وإذا ذهبت إلى الخياط، والبقال، ودخلت الأسواق، وأماكن الملابس، وهذا يراها وهذا يكلمها، فتنطلق من البيت بعد العصر وترجع آخر الليل كما يفعل بعض الناس، وتذهب إلى الشواطئ، فلا شك أن من يرضى ذلك في أهله أنه ديوث وأنه يجب عليه الحسم ولو أدى إلى الضرب، ولو حسم كل أب وكل زوج لكنا قضينا على هذه العادة السيئة المقيتة التي نخشى أن يعمنا الله بعقاب من أجلها، فإذا حرصنا على القضاء على الزنا، فلنبدأ بالقضاء على التبرج لأنه منكر ظاهر وهو الوسيلة إلى الزنا.
فالذين يتأملون في هذه القاعدة يرون من الحكم في ذلك أن كل إنسان تتهمه أو تواجهه بمنكر خفي فإن في إمكانه أن ينكر، فترى فلاناً عنده مصنع خمر، فيقول: لا شيء عندي وينكر، ولا يستطيع أحد أن يعترف بذلك.
أو إذا كان شخص يمارس الزنا والفاحشة فإنه لن يقر أحد بهذا الشيء، لكن المنكر الظاهر، مثلاً: إذا قامت الصلاة وهو جالس في الشارع، فكيف يستطيع الإنكار؟ فمن فوائد ذلك أننا إذا اتبعنا أمر الله ورسوله تحققت المصالح بإذن الله.
فإذا أمرته بالذهاب إلى الصلاة، فإنه يوجد أي إنكار منه، ولا يستطيع أن يقول: لم أسمع الأذان، ولم أعلم ولهذا يقول غالباً جزاك الله خيراً، حتى لو لم يصل فإنه يكون مقهوراً، وليس لديه عذر ولا حجة، فهذا هو الذي ينبغي.
والمرأة المتبرجة في السوق أنت تستطيع أن تقول لها وأنت واثق أنها متبرجة، فالمنكر ظاهر، وأنت لست مجرد متهم، فالناس يسيئون الظن بالناس، ويتهمون أعراض الناس، ويفعلون كما يقال عادةً عن أهل الخير وعن الآمرين بالمعروف وعن الناهين عن المنكر، فأنت الآن أنت تتخاطب وتتعامل مع منكر ظاهر أمامك، فليس هذا الخياط بمحرم لها ولا صاحب الدكان بمحرم لها، وهي كاسية متبرجة في السوق، إذاً هذا منكر ظاهر لا نقاش فيه.
إذاً لا بد أن ينكر هذا المنكر، ولا بد أن يُقضى عليه بكل وسيلة، بالدعوة والوسائل العامة، بنشر الحق والخير بالتعليم، وأيضاً بالقوة وبالحزم المهم كقاعدة عامة: أن نبدأ بالمنكر الظاهر، ولنتعاون في القضاء عليه، وهذا -بإذن الله- يقضي على المنكرات الباطنة، دون أن نتهاون أيضاً في شأن المنكرات الباطنة.