أيضاً: بالنسبة لموضوع مسائل الخلاف خاصة في الفروع وهي التي يكثر الدندنة حولها من قبل العصرانيين في هذا الزمان، نجد أن هذه المسائل التي يشيرون إليها منها ما كاد يكون الإجماع يتم عليه وإن كان هناك من خالف، لكنهم قلة ويُعتبرون شواذ، وهناك مسائل الخلاف فيها دائر، ونجد أهل السنة منقسمين فيها، فهل هناك فرق بين هذا وذاك؟ فمثلاً مسائل الغناء نجد من خالف فيها مثل إبراهيم بن سعد أو ابن حزم وهم شواذ، فليست هذه المسألة من المسائل التي يكثر فيها الخلاف؟
الجواب
في نظري أنه ينظر للأمر من زاويتين: الأولى: أن هؤلاء إنما يريدون الطعن في مصادر التشريع الإسلامي بإطلاق، ولذلك يطعنون في الإجماع توصلاً بذلك إلى الطعن في بقية المصادر، لأن الإجماع أقوى الأدلة - كما تعلمون - لأنه لا بد أن يستند إلى نص من الكتاب أو السنة، فمع دلالة النص يضاف إلى ذلك الإجماع في فهم النص ودلالته، فيطعنون في الإجماع، ويطعنون في القياس مهما كان جلياً في الجملة، ويطعنون في دلالة نصوص الكتاب [[والقرآن حمّال وجوه]] كما أُثِرَ ذلك عن السلف - ثم يأتون إلى السنة فيطعنون في ثبوتها، إما جملة وإما بعضها دون بعض على اختلاف مشاربهم ومواردهم، فهم يريدون هدم مصادر التشريع من جهة، فهذا جانب.
والجانب الآخر: أنهم يأتون إلى خلاف حقيقي وموجود كما ذكرتم في مسألة الغناء، لكن يتناولون هذه القضية كما تناولها العلماء من قبل بأن يقال: هذه مسألة فيها قول ونحن نرجحه ونميل إليه، وليس هذا فقط.
فمثلاً كتب أحدهم كتاباً مستقلاً عن هذه المسألة وبعض المسائل الأخرى، سماه آراء تقدمية في الفكر الإسلامي، فاعتبر أن قول ابن حزم وأمثاله في مسألة الغناء أنه حلال، وأنه رأي تقدمي عصري، ومساير لروح العصر والحياة، وأنه سبق من أتى من بعده من المتأخرين، ورأوا أن هذه الموسيقى والغناء ضرورة عصرية، فرأى أن هذا هو التقدم العصري والرأي التقدمي، وأن تحريم الغناء هو رأي -بالمقابل- رجعي، مع أنه هو الثابت وهو الصحيح، وهو الذي دلت عليه النصوص.
فليست المسألة ترجيح قول أو أخذاً لقول دون قول، وإنما تقديم لقول مرجوح، وبشكل يزري ويطعن في الرأي الآخر جملةً وتفصيلاً، فهذا خطر كبير، ولا شك أنه يترتب عليه آثار تصل إلى حد التقديم بين يدي الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورد النصوص بمجرد الرأي والهوى نسأل الله العفو والعافية.