للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لين القلب محتاج إلى المجاهدة المستمرة]

السؤال

أنا شاب أحاول أن أتبع كل ما أمر الله، وأحاول أن أجتنب كل ما نهى عنه، ولكني أجد قسوةً في قلبي، فما هي طرق ترقيق القلب، وهل أؤاخذ على هذا؟

الجواب

نحن كلنا ذلك الرجل، ونسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يرزقنا إيماناً نجد حلاوته في قلوبنا، وأن يبصرنا في ديننا، وأن يعيننا على أنفسنا.

ونحمد الله أنه لا تكاد تأتي محاضرة، إلا وتأتي مثل هذه الأسئلة: الذي يسأل: كيف أتوب؟ والذي يسأل كيف ألين قلبي؟ والذي يسأل كيف أقلع عما حرم الله؟ فهذه -ولله الحمد- من بشائر وعلامات الخير، وأن الشباب في رجعة وأوبة إلى الله تبارك وتعالى.

والذي أحب أن أقوله: إن الطريق شاق وطويل، فلو كان لهذا الأمر علاجٌ مؤقت، أو علاج معين، يأخذه العبد فيلين قلبه، لسبق إليه أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم واحد وفي لحظة واحدة، ولانت قلوبهم، ولكنها جهاد مستمر، يلين قلبك اليوم ويقسو غداً، وترغب اليوم عن الدنيا وترغب في الآخرة، وإذا بك في غدٍ تكون عكس ذلك، فتطيع ربك عز وجل، وإذا بك في غدٍ مهزوم تقودك نفسك كما تشاء.

فهكذا جعل الله العبد؛ لكي يظل العبد المؤمن في جهاد مستمر، قال بعض السلف: 'جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، فبلغت بعضهم فقال: طوبى له! أوقد استقامت؟ ما زلت أجاهدها ولم تستقم ' بعد أربعين سنة! وهم في أفضل جيل وأفضل بيئة، فكيف بنا اليوم ونحن في عصر المغريات وفي عصر الشهوات؟! فمن أعظم أسباب قسوة القلب: طول الأمد عن ذكر الله، وعن تقوى الله، وعن مجالس وحلق الذكر والخير، وعدم التفكر في ملكوت السماوات والأرض وعدم التفكر في الموت.

وهذا التفكر قد يتفكره الإنسان، ولكن أيضاً يتبلد إحساسه، ويصبح تفكيره كأنه أمرٌ عادي لا يثار له، ولهذا ينبغي للإنسان أن يجدد وأن ينوع من الذكرى، وأن يحرص كل الحرص على أن يتعاهد قلبه وإيمانه، فـ {إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب}، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو يبلى ويتلاشى ويضمحل، فلا بد أن نتعاهد إيماننا.

وقراءة القرآن وتدبره والعمل به، هي من أعظم ما يزيد الإيمان؛ لأن الإنسان إذا قرأ كتاب رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يجد فيه الشفاء والحق والمواعظ والحث على التفكر وعلى التدبر، ومع ذلك أيضاً يدعو الإنسان ربه عز وجل، كما سمعنا في هذا الحديث: {كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم} فندعو الله أن يمنَّ علينا بالإيمان، وأن يمنَّ علينا بالهداية، وأن تلين قلوبنا لذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يخيب من دعاه.