هل الجهاد في سبيل الله مرتبط بالدعوة إلى الله؟ أم أن هذين العملين الصالحين منفصلان؟
الجواب
إن الجهاد إنما يكون لأجل الدعوة، وهو أحد وسائل الدعوة، فإذا تجرد الجهاد عن ذلك، كأن كان الجهاد من أجل الأرض -عياذاً بالله- أو من أجل التسلط والحكم والتحكم، أو من أجل أي غرض آخر؛ فإنه يخرج عن صفة الجهاد الشرعية بمقدار ما يخرج عن المنهج الصحيح؛ وهو أن يكون لإعلاء كلمة الله، ولا يكون فيه غرض لذوات المجاهدين؛ فإذا كان الغرض لذات المجاهد، كأن يجاهد ليحكم -مثلاً- أو ليصبح زعيماً أو يجاهد ليحوز مالاً؛ فهذا الذي ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه المجاهد المرائي، الذي يؤتى به يوم القيامة فيقال له: لم جاهدت؟ فيقول: فيك يا رب، فيقال: كذبت؛ إنما فعلت ليقال كذا وقد قيل، ويؤمر به فيسحب إلى النار.
وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث القدسي عن ربه عز وجل:{أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي غيري تركته وشركه} فحتى الجهاد -مع أنه تضحية بالنفس وتقديم لها- لا بد أن يكون خالصاً لوجه الله، ومن أجل توحيد الله، وإقامة دين الله ولا حظ للنفس فيه؛ وإلا فإن الشيوعيين والملحدين والقوميين وكل أنواع المجرمين في الأرض، يقاتلون ويقتلون من أجل المبادئ التي يدعون إليها، وكل أنواع المحتلين يقاتلون ليرفعوا الاحتلال عن بلادهم فإذاً: لا بد من الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وهدف الجهاد هو هدف الدعوة، فهو كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له} فهو يدعو إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويجاهد من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له، ولهذا لا يرتبط الجهاد الذي هو جهاد الطلب وجهاد الدعوة، بأرض معينة، ويجب أن نفرق بين جهاد الدعوة والطلب، وجهاد الدفع.
أما جهاد الطلب والدعوة فهو كما قال تعالى:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}[البقرة:١٩١] فالمؤمن يجاهد في سبيل الله كما جاهد الصحابة الكرام في أي مكان؛ لإقامة دين الله ومن أجل الدعوة إلى الله.
فلما ضاقت الحيلة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في مكة، هاجروا إلى المدينة؛ ففي أي بلد يمكن أن تقيم فيه دين الله، فلتكن دعوتك وليكن جهادك، ولا يرتبط بجهة معينة.
أما جهاد الدفع: فهو إذا احتل الكفار بلداً من بلاد المسلمين وسيطروا عليه؛ فإنه يجب على أهل ذلك البلد أن ينفروا لدفعهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وهذا جهاد آخر غير جهاد الدعوة والطلب.