للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بين التفكير العقلي والميول الوجدانية]

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلَّى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا الدرس خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعنا جميعاً به، إنه سميعٌ مجيب.

وبعد إننا نسير -ولله الحمد- مسيرةً طيبة مباركة، وأمتنا الإسلامية -والحمد لله- تعيش هذه الأيام عودة وتوبة وإنابة إلى الله تبارك وتعالى مشهودة يراها كل ناظر، ولكن توجيه هذه الأوبة وتسديدها، والنصح لأهلها ولشبابها هو من أعظم ما ينبغي على من لديه شيءٌ مما يظن أنه ينفع الله تبارك وتعالى به في تصحيح المسيرة، وفي توجيه هذه الطريق إلى السداد، وإلى ما يرضي الله تبارك وتعالى، ولذلك فإنني أحب أن أتناول القضايا بمنتهى الإيضاح والتفصيل.

وموضوعنا هو: قضية العقل والعاطفة.

الله تبارك وتعالى خلق الإنسان مركباً من أمور، ومنها هذان الشيئان: العقل، والعاطفة، ومن نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الإنسان أن النفس الإنسانية مرنة واسعة وأن الله شرع لها هذا الدين القويم، الذي يلبي احتياجاتها أياً كانت، وفي أي زمان وفي أي مكان، وبأي طبعٍ ركب في الإنسان أو جبل عليه.

أما العقل فهناك من يبالغ فيه، وهم الحكماء كما يسمون، فيجعلون كل الأمور بالعقل المحض المجرد، وهناك من يبالغ في العاطفة كالشعراء وأمثالهم، فيجعلون الأمور عواطف بحتة.

والحق أنه لا هكذا ولا هكذا؛ فالإنسان مزيج ومركب من مشاعر كثيرة.

وأقول هذا كمقدمة؛ لأننا لا نتنكر للعقل ولا نتنكر للعاطفة، وليس الأمر خياراً بين هذا أو ذاك، ولكن كيف نستطيع أن نوفق بين التصرفات المحكمة؟ بين تصرفٍ أفكر فيه وأستشير وأستخير ثم أعمل، وأيضاً مع ذلك أتوقع الخطأ، وأتابع العمل لئلا يقع فيه الخلل حتى ينتهي، وبين عملٍ يأتيني فأتدفق حماساً، وأفيض مشاعر وإقدام، فأعمل ما تمليه عليَّ العاطفة في تلك اللحظات الحاسمة، دون حسابٍ لأية عاقبة من العواقب.