للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الثورة على نظام الحكم]

فقد مكث الشعب الجزائري المغلوب على أمره تحت هذا النظام، وعلى هذا الوضع المزري (ما يزيد على ثمانيةٍ وعشرين عاماً) وهو يرى حاله تزداد من سيئ إلى أسوأ، واليوم بعد اليوم، والشهر بعد الشهر، والسنة بعد السنة، ولم ير أحداً يلتفت إليه، أو يحاول أن يصلح حاله، أو يدخل عليه شيئاً من السرور، حتى في الضروريات التي لا غنى للإنسان عنها، وكلما رأى فئة الحزب تزداد طغياناً وغنىً وظلماً وكبرياءً، وأصبح الظلم مستشرٍ بين طبقات الشعب، وكذلك الحاجة تزداد يوماً بعد يوم، وكذلك مما يزيد الأمر شراً: اختلاق الأزمات الاقتصادية -من قبل الدولة- عند هذا الظرف الحالك.

حتى نفذ صبر هذا الشعب الصبور الجريء، وحانت ساعة الصفر التي لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت تجربة السنين والأعوام، ودعته بأن ينفجر ويكسر قيود هذا الحكم الظالم، فخرج من أقصى البلاد إلى أقصاها، منادياً بسقوط حزب التحرير الوطني، الذي جثم على صدر الشعب ردحاً من الزمن، ولم يكن للشعب منه فائدة واحدة تذكر، بل كانت طغياناً وعلواً وظلماً، فانفجر الشعب الجزائري بكل فئاته في ٦/أكتوبر/١٩٨٨م، ومما يزيدنا تصديقاً وبرهاناً على كفر الشعب بهذا الحزب الاشتراكي الظالم: أنه في معظم مناطق القطر الجزائري أحرقت مباني ودوائر هذا الحزب، ومنشئاته، ولم ينجو منها إلا النزر القليل.

فاستعملت الحكومة في هذا الظرف الذي لم تحسب له، بل ولم تتوقع أن الشعب قد يتمرد يوماً ما هذا التمرد الكامل، منادياً بسقوط الحزب وأعضائه، استعملت كل وسائل القمع ضد هذا الشعب، ومنها الذخيرة الحية، فكانت النتيجة سقوط ما يزيد على ألف وخمسمائة قتيل -معظمهم من الشباب وأطفال المدارس- ويعلم الله أنه لم يهدئ تمرد هذا الشعب أحد، ولم يسمع من أحد، ولم يخف أحداً، إلا ما كان من سماعه للمشايخ، وخطباء المساجد حين اجتمعوا ونادوا في الشعب بالهدوء، والكف عن الحرق والتدمير والتخريب، ثم المطالبة بحوار مع الحكومة، فهدأ -عندها- الشعب.

وخطب بعدها رئيس الجمهورية، وأمر بإلغاء الحزب، والدعوة إلى الديمقراطية، وطرح الكلمة الأخيرة للشعب، وأمر بتعدد الأحزاب.

فأصبح الأمر جارياً، ورأى قادة المسلمين في الجزائر أنه من الضروري شرعاً الدخول في هذا المعترك، لأنه اختيار شعبي عام، حيث إن الشعب خرج منادياً بسقوط الحزب الظالم، والمطالبة بحكم الإسلام الذي لا حكم غيره، وعندها خرجوا بهذا الاسم المبارك (جبهة الإنقاذ الإسلامية) وذلك تفاؤلاً في أن ينقذ الله بها البلاد والعباد مما هي فيه من سوء الحال.