أنشئت بعد ذلك الجمعيات النسائية، وأشير إلى جمعية النهضة النسائية هي أول جمعية أنشئت في المملكة، وأعطيت ترخيصاً خاصاً، كانت مُنشئتها هي سميرة خاشقشي، وهي ليست مجهولة، ولا يمكن لأحدٍ أن يتهمها بأنها امرأة صالحة أو ذات دين، أو ذات خلق لأن مؤلفاتها ورواياتها وقصصها تملأ الأسواق، وسيرتها معروفة، وتعليمها وحياتها في الخارج معروفة ومكشوفة للجميع، ثم تُعطى ترخيصاً بإقامة هذه الجمعية.
ورحمة الله على المنتبهين والناصحين، كم ينصحون ولكننا لا نحب الناصحين، ورحمة الله على الشيخ عبد الرحمن الدوسري فقد نبهنا والله وكأنَّ صوته يرن في أذني الآن، وهو ينبه إلى خطر هذه الجمعيات، وإلى الأيادي الماسونية من ورائها، ولكن من ينتبه، إنما نخدر بكلمة واحدة وبمقولة: إن هذه ضمن تعاليم ديننا، وفي إطار شريعتنا وتقاليدنا، فما دام قالوا هذه الكلمة، إذاً فليفعلوا ما يشاءون.
أرادات الجمعية أن تبدأ من هنا، وأخذوا يكتبون أعمدة نسائية في الصحافة، وبدأوا يظهرون صوت المرأة في الإذاعة، أحد وزراء الإعلام السابقين يقول: إنني لما لم أجد أحداً، وجدت فلانة بنت فلان، وزوجته، وبدأ صوت المرأة يظهر في الإذاعة السعودية، ولكن الاعتراض والاستنكار ما يزال قوياً، فما الحل؟ فكروا في الوسيلة الخبيثة الماكرة التي فتحت لهم باباً عظيماً في الفساد، قالوا: إن أظهرت لهن مجلة هنا في المملكة سيثور عليها الناس، وسوف تقفل وتمنع، فما الحل؟ الحل: أن تنشأ صحافة في بلد غربي، ثم تصدر إلى البلاد، فأنشأت سميرة خاشقشي مجلة الشرقية، وفي عاصمة الظلام -أو عاصمة النور كما يسمونها- في باريس وهي تخاطب المرأة السعودية، والمجتمع السعودي، فإذا جاءت هنا، وقيل: الرقابة، قالوا: هذه صحافة أجنبية، وإن قيل: أفسدت بناتنا، قالوا: لا، لا بأس، فمع الزمن يعترض المعترضون كالعادة، نعترض ثم نهدأ ثم نسكت ثم نستسلم، أما هم فيتقدمون خطوات، وإذا بـ الشرقية تستمر وتنطلق.
استنكرتها بعض الأصوات كـ مجلة الدعوة السعودية، وقد كانت قوية في عصرٍ مضى، ولكن مضى الأمر وهكذا.
وانتشرت الجمعيات النسائية، وإذا بالجمعيات تقيم الحفلات للأزياء، وتقيم الحفلات للتمثيل، والمسرحيات، تقيم ما تقيم من الأمور التي لا تخفى عليكم جميعاً، ولا نريد أن نستطرد فيها، فالمقصود: أن إنشاء الجمعيات النسائية هو نمط مبدل للأحزاب النسائية في البلاد الأخرى.
وهنا لا بد أن نقول كلمة: إذا كان إنشاء جمعية خيرية نسائية -مثلاًَ- على سبيل أن النساء ينفصلن عن الرجال ويعملن أي عمل من أعمال الخير، فهذا يبحث وينظر في ضوابطه وقيوده، ولكن لم يكن هذا هو الهدف، الهدف هو إيجاد صراع بين الذكر والأنثى في المجتمع، فتقوم الجمعيات لتطالب بحقوق المرأة، ويرد بعض الناس -وقد يكونون مفتعلين- على مطالبها، فتنشأ المعركة.
كالحال في المجتمع الغربي الذي لا يحكمه شرع الله، فالعمال في صراع مع أرباب العمل، والطلاب في صراع مع مديري ومسئولي الجامعة -مثلاً- والشعب في صراع مع الحكومة، والمعارضة في صراع مع الحكومة الدستورية، والمرأة في صراع مع الرجل، وأحياناً تكون -أيضاً- النوعية فالشباب في صراع مع الكبار، أو المحافظين في صراع مع أصحاب التحرر؛ فكل الغرب يعيش في صراع وفي تناحر، فتقول المرأة: إنما أريد أن أكون مطالبة بحقنا، إلى متى نظل مهضومات؟ إلى متى نظل كذا؟ فكان هذا هو الغرض الذي امتد وانتشر في أمور أخرى غير الجمعيات.