إخوتي الكرام: قد أجملنا إجمالاً، وأشرنا إشارات لما يتضمنه هذا الحديث الشريف العظيم، من الوصايا الجامعة المانعة والحكم العظيمة التي نريد أن تكون بإذن الله زاداً لنا في حياتنا.
فأوصي نفسي وأوصي إخواني جميعاً: أن نعمل بهذه الوصية وأن نهديها إلى كل من نحب، وأن نكون من المتدبرين لهذه الوصايا فهماً، والممتثلين لها عملاً، والداعين إليها، والموقنين بما فيها، وأن نوقن بها حق اليقين.
فهذا كلام رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه، وهذه وصيته، لم يوص بها عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وحده، بل هي لنا جميعاً؛ ولهذا تحدث جمع من الصحابة عن هذه الوصية التي أوصاها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي لكل من يريد الخير من هذه الأمة، أن يكون حافظاً لحدود الله، وأن يكون راضياً وصابراً على أقدار الله عز وجل، وأن يتعرف إلى الله في الرخاء ليعرفه الله في الشدة، وألا يسألَ إلا الله، وألا يستعين إلا بالله تبارك وتعالى، وأن يصبر ويعلم أن عاقبة ذلك هو نصر الله تبارك وتعالى له وتوفيقه وتأييده وحفظه ورعايته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالحمد لله، كما هو مشاهد وأقول لإخواني دائماً: لا تنسوه، فوالله إنكم تعيشون وتتقلبون في نعم يحسدكم عليها أهل الدنيا الذين حرموها وأنتم لا تشعرون بها.
وهم إما أنهم لا يعلمون بما نحن فيه، ولو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، أو أنهم يعلمون ولكن لا يستطيعون نيله؛ لما حجبوا به من الشبهات والشهوات.
أنتم والله في نعم عظيمة، فأنتم تقرءون كتاب الله، والحرف الواحد منه بعشر حسنات، أليستْ هذه نعمةً عظيمة؟! أنتم -والحمد لله- عرفتم العقيدة الصحيحة التي ينجو بها العبد عند الله، أليست هذه نعمة عظيمة؟! أنتم عرفتم طريق الدعوة إلى الله، وكثير من الشباب في العالم الإسلامي يتمنَّى أن يأتي إلى هذه البلاد منحة أو دراسة أو بأي شكل؛ ليتعلم هذا العلم ويدعو إلى الله، وقد وفقكم الله لهذه النعم كلها، فاشكروه عليها، واعلموا أن الله سائلكم عنها.