للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابتلاء الدعاة في الوقت الحاضر]

إنّ الشيطان إذا جاء وقال لصاحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا كان الأمر كذلك فانسحب من هذا الميدان، فماذا يكون الحال؟ وهل هذا حل؟ لا.

هذا ليس حلاً، فهنا الخطر، وهنا تكون الفتنة لأهل الشر والفسق والفجور، وما أجرأهم على ارتكاب المحرمات؛ إلا أنهم رأوا أنه كلما برز عنصر طيب في الهيئات سرعان ما ينسحب أو ينتقل، فيكون ذلك فتنة لأهل الفساد، ويكون أيضاً إسقاطاً وخوراً في عزيمة المجتهدين الراغبين في داخل الجهاز، ويكون أيضاً تثبيطاً وتخذيلاً لمن يريد أن يلتحق بهذا الجهاز، وهو يرى أن أهل الخير وأهل الفضل يتركونه.

ثم أهم من ذلك: أن هذا الإنسان يأثم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه آثر الراحة وآثر السلامة؛ أي أنه باختصارلم ينجح في الابتلاء، والله تعالى يقول: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُواءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢] أي: أنه لا بد من الفتنة، ولا بد من الابتلاء، فهذه سنة ربانية حتى قال بعض العلماء: "إن من لم يؤذَ ويبتلى ويتحمل الأذى، فإن إيمانه لا يعد إيماناً في الحقيقة" فهو مسلم -إن شاء الله- وعلى خير، إن مات قبل الابتلاء؛ لكن إذا حصل الابتلاء؛ فهنا يكون المحك، إما أن يصبر فيرتقى إيمانه ويكون مؤمنا حقاً على تفاوت في الدرجات بين المؤمنين؛ وإما أن يخفق في الابتلاء فيفقد إيمانه -نسأل الله العفو والعافية- وكفى به حرمان.

ولا خيار للإنسان، فنحن عبيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، خلقنا وسيرنا واستعبدنا بأن نقيم هذا الدين, وأن ندعو إليه دون اختيار لنا في ذلك أبداً، وأي انحراف أو خروج منا على هذا الابتلاء، أو محاولة في الابتعاد عن هذا الابتلاء فإن ذلك علينا لا لنا.