للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك محبط لجميع الأعمال ومخلد في النار]

والشيخ هنا إنما ذكر الشرك ليبين من الذي لا يرجو رحمة الله، فالذي لا يرجو رحمة الله هو المشرك، أما من عداه فإنه وإن كان من أهل الكبائر فإن له أملاً ورجاءً في رحمة الله، ولا يجوز أن يقطع هذا الأمل، أما الذين لا أمل لهم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هود:١٦] فهم المشركون، لماذا؟ لأن أعمالهم لا تقبل جميعاً، كما قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور:٣٩] {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣] {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:١٨] فلا تقبل أعمالهم لأن الشرك هو أقبح القبائح، وأعظم الذنوب، وأكبر الجرائم، وأكبر الكبائر، فهو الذي يحبط الأعمال كلها، ولا يقبل معه أي عمل من الأعمال كائناً ما كان، وإن كانت صلاةً أو صياماً، أو صدقةً، أو دعوةً، أو جهاداً، أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، مهما بلغ جهد من يجتهد، مهما كانت عبادته، مهما توسل إلى الله تبارك وتعالى بأي نوع من أنواع القربات وهو مشرك فلا يقبل الله تبارك وتعالى منه صرفاً ولا عدلاً.

والشيخ رحمه الله تعالى يقول هنا: وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] ذكر أن المشرك لا ترجى له المغفرة؛ لأن الله نفى عنه المغفرة، فلا ترجى له ولا يرجوها لنفسه، ولا يرجوها أحد له مهما كانت قرابته أو صلته، فإن أقرب قريب لأعظم رسول وحبيب هو أبو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك هل نفعه ذلك، هل نفعته قرابته، هل يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل النار؟ لا.

في صحيح مسلم أن رجلاً سأله عن أبيه، وفيه قال: (أبي وأبوك في النار) وليس لأحد عليك من حق أعظم من والديك، وليس أحد له قيمة عند الله سبحانه وتعالى ووجاهة أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، فلو أن أحداً ينفع أباه لنفع النبي صلى الله عليه وسلم أباه، وإنما شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب أن يخفف عنه، لا أن يمنع من دخول النار أو أن يدخل الجنة، لا يدخلها أبداً {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:٧٢].

أيها الإخوة الكرام: هذا الشرك بابه عظيم، وشأنه جلل، وهو خطير، ولابد من معرفته والحذر منه، والتنبه له كبيره وصغيره، دقيقه وجليله.

ومن أوفى ما كتب في هذا الموضوع عن الشرك -وقد أحببت أن أقرأه لكم، ونستفيد منه جميعاً ونرجع إليه- هو كتاب: الجواب الكافي لـ ابن القيم رحمه الله، الذي له عنوان آخر هو: الداء والدواء، والكتاب في الأصل هو عبارة عن جواب لسؤال عن كبيرة، عن سبب الذنوب التي تأتي من قبل الشهوة؛ لأن الذنوب إما أن تأتي من قبل الشهوة أو من قبل الشبهة، والذنوب الشهوانية مرجعها إلى مرض القلب، وأعظم مرض يصيب القلب من جهة الشهوة مرض العشق، فناسب أن يستطرد رحمه الله في الكلام عن الذنوب وخطرها وضررها، فتوسع في ذلك، ثم استطرد في بيان الذنوب التي لا يرجى معها خير أبداً وهو الشرك، أي: عند حديثه عن آثار الذنوب وخطرها وضررها ناسب أن يذكر أعظم الذنوب وأخطرها، وأشدها ضرراً على الإنسان في دينه ودنياه؛ لأنه إذا كانت الفواحش دون الشرك بتلك المنزلة من الخطر، إذا كان عقوق الوالدين إذا كانت الغيبة إذا كانت النميمة إذا كانت السرقة إذا كان الزنا إذا كان ظلم الناس، كل هذه الكبائر والموبقات توعد الله تبارك وتعالى عليها من الوعيد ما توعد، فما بالكم بالذنب الأعظم الذي ترجع إليه هذه الذنوب جميعاً، والذي لا ينفع معه عمل صالح؟!!