العلمانية - أيها الإخوة الكرام- فرضت على العالم الإسلامي -وهي غريبة عنه- لأسبابٍ كثيرة لا مجال لذكرها الآن، ولكننا نجملها في سببين.
السبب الأول هو: أن الأمة الإسلامية قد تركت كتاب الله عز وجل وراء ظهورها، وتركت سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحكَّمت آراء الرجال، واتبعت الفرق والطرق البدعية والضلالات التي عشعشت وفرخت في الأمة، وبذلك كانت أهلاً لأن تتقبل العبودية الفكرية لأية أمة قوية غازية، ثم جاءت هذه الأمة القوية ممثلة في أوروبا الصليبية التي كانت وما تزال أخطر عدو للإسلام والمسلمين، إذ يجتمع فيها اليهود والنصارى، وهما العدو اللدود لهذا الدين، منذ أن أظهر الله تبارك وتعالى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثه، وهم يكيدون له ذلك الكيد العظيم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠] هذا شأنهم دائماً وذاك ديدنهم.
والسبب الآخر هو: أن هذه العلمانية فرضت في حالة تناسب حال الأمة، يومئذ تلك الأمة المنحرفة الضالة عن الكتاب والسنة، والبعيدة عن منهج الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وعن العلم الشرعي الصحيح، وعن دعوة التوحيد الحقيقية وقد كانت الدعوة موجودة -والحمد لله- وقد دعا إليها المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، ولكن الأقطار الأخرى التي لم تشملها الدعوة ظهرت فيها العلمانية وطبقها المستعمر، ثم طبقها خلفاؤه من بعده، ولا يخفى عليكم الرموز، أو الأصنام الكبرى للعلمانية، ابتداء من أتاتورك وانتهاء بأبي رقيبة وأمثاله.
فهذه مرحلة من مراحل العلمانية، العداء فيها سافراً، واضحاً والتحدي لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صارخاً، ويكون الإنكار والمكابرة لحقائق هذا الدين، وتكون الشعارات والرايات المرفوعة: اشتراكية قومية، بعثية تحررية وحدوية، إلى آخر الشعارات الزائفة الباطلة.
أما المسلم أياً كان اسمه، وأياً كان انتماءه وثناؤه فهو رجعي متأخر، يجب إبادته، وسوف تسحقه حتمية التاريخ، وسوف تسحقه الجماهير والشعوب -كما يقال- المتحررة من نيران التخلف والجمود.
هذه مرحلة، ولكنها انتهت، وابتدأت صفحة جديدة، هي التي يجب أن نهتم بها الآن، وأن نعي خطرها، وما مقتضى هذا التغير؟