إذا قيل أن من معاني محبة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التغني بشمائله وصفاته الخلقية وسماته الجمالية، إلى درجة العشق، فكيف تردون على هذا؟
الجواب
نعم هذا واقع، من الناس من لا يقرأ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفاته الخَلْقية، ويغفل عن صفاته الخُلقية وهي في الدرجة العليا، فالله اصطفاه واختاره حتى في خلقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن ليس معنى هذا أننا نشتغل بهذا الجانب ونتغنى به ونردد فيه الأشعار والقصائد ونترك الجانب الأعظم والأمر المهم.
انظروا كيف كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وهم الذين عرفوا محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن أعظم ما اهتموا به هو طاعته واتباع أمره، والاقتداء بسنته ولم يغفلوا أيضاً الجانب الآخر، لكن يجعلون لكل شيء قدره الشرعي الصحيح.
ولننظر إلى شعب الإيمان، ولنقس على هذا لتقريب كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:{الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} فشعب الإيمان أي: درجات منها ما هو أعلى ومنها ما هو أدنى، فإماطة الأذى عن الطريق لا نستهين بها ولا نحتقرها فهذا خطأ، وكذلك من الخطأ أن نجعلها في درجة الحياء، أو أن نجعلها في درجة شهادة لا إله إلا الله.
وأضرب مثلاً لتقريب ما أقول: وذهبت إلى أمريكا لكي أدعو الأمريكان إلى الله، وقلت لهم إننا كنا أمة جاهلية في ضلال وفي كذا وكذا، كما كان العرب في الجاهلية، فبعث الله تعالى فينا رسولاً، أغر الثنايا، أكحل العينين، أجردٌ أزهرٍ وذكرت كل ما جاء في صفاته الخَلْقية، هل أنا في الحقيقة بهذا العمل أُعرِّف الإسلام حقيقةً، وأُعَرِّف دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا لا شك أنه مما جاء من صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن عندما وصفته لهم بهذا الشكل أكون مسيئاً؛ لأنني وضعت الشيء في غير موضعه، بل عليَّ أن أصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأعظم أوصافه، فيما دعانا إليه من التوحيد، وبما أنقذنا به من الضلالة، وبما أخرجنا به من الظلمات إلى النور، وما أمرنا به، فإذا تعرضت له في ذاته ولأخلاقه أذكر كرمه وحلمه وصدقه وأمانته، ثم أتعرض بعد ذلك لصفاته الخلقية، فلابد أن نضع الشيء في موضعه الصحيح، كذلك عندما نعلم أبناءنا وأنفسنا ونقرأ سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونهتم بها، فإن علينا أن نهتم بأعظم شيء وهو ما دعا إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو توحيد الله ومحبه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووجوب التزام أمره، وكيف كان يعبد ربه عز وجل فنعبد ربنا كما عبده، ثم بعد ذلك نبين صفاته وشمائله، أما أن يأت قائل ويقول: القمل لا يؤذيه والذباب لا يقع عليه، وكان وكان حتى ينتحل هذه الأشياء، فالقوم أتوا بما لم يرد، ويظنون أنهم يعظمون بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم يعرضون له قدوة حسنة أمام الناس، وأن ذلك مما يجعل المسلمين يحبونه، ويجعل الكافرين يتبعونه ويؤمنون به، فهذا مثل ما تقدم عن عابد بني إسرائيل، ومثل ما قلنا عن علي بن الجهم عندما وصف الخليفة، فهؤلاء يتكلمون بالشيء الذي يظنون أنه غاية في المدح، وهو في الحقيقة إن لم يكن فيه ذنب -كما وجد من بعض من وصف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقل ما فيه أنه ليس هو الذي يوصف به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحقيقة.