[المستعجلون من الشباب في طلب العلم]
السؤال
بعض الشباب يستعجل في الوصول إلى أعلى درجات العلم والعلماء، حتى إنهم يقولون على الله بغير علم، ويفتون بغير علم، وبعضهم يقرأ كتباً أعلى من مستواه، ومن مستوى إدراكه، فما نصيحتكم لهؤلاء؟
الجواب
هذا من أنواع الاستعجال: الاستعجال في طلب العلم، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه لما فسر الربانيين {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:٧٩] قال: [[ومن يربي الناس بصغار العلم قبل كباره]].
ولا يعني بالصغر والكبر أن الصغيرة النوافل والكبيرة التوحيد.
إنما يعني بالصغار: البديهيات والمسلمَّات الواضحة، والكبار: هي الأمور المعقدة والصعبة، ودائماً أقول للإخوة الكرام: ابدءوا العلوم بدراسة متون معينة، مبسطة، ثم خذ شرحاً مبسطاً عليها، ثم توسع فيما بعد ذلك وهكذا.
لكن عندما يأتي بعض الإخوان يريد أن يبدأ في طلب العلم، فيبدأ في الكتب الكبيرة، فبعضهم قال: بدأنا بـ فتح الباري، والأخ الثاني يقول: بدأنا بـ مجموع الفتاوى.
سبحان الله! إنني عندما أقرأ في فتح الباري، أجد أنني أحتاج في صفحة واحدة إلى أن أراجع عدة كتب، وأن أنقب، وأن أفتش، وأن أكلم المشايخ بالتلفون، فالمسألة ليست سهلة، ويمكن أن يكون هناك من فتح الله عليه، لكن أنا أقول فيما نرى وما نعلم من تكويننا وتربيتنا جميعاً؛ لأن دراستنا دراسة نظامية، وهي لا تعطينا الزاد الكافي لمثل هذه الأمور.
كذلك مجموع الفتاوى لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، بعض الكلمات مع الأسف مطبوعة خطأ، ويأتي من يشرحها، وقد تمرس على كلام شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، فيشرحها خطأ.
وأحياناً تكون غير مشروحة في الهامش، أو غير واضحة، أو واضحة، لكن لم يفهمها؛ لأنه رجل عميق، يكتب في بحور من العلم عميقة وغزيرة، يحتاج كلامه إلى أن يفهم على مستوى معين، فلا نستعجل فنطمر الأمور طمراً.
إذا بدأنا بـ فتح الباري، ومجموع الفتاوى ننتهي بـ عمدة الفقه، أو بـ الأربعين النووية بدأنا السنة من أعلاها، ولم نأخذ الأمور من أولها.
بعض الإخوة يبدأ بالقراءات، ولا أعترض على من لديه دراسة منهجية يمكن أن يحفظ القرآن بالقراءات، لكن بالنسبة للحالات العادية، وهي من كان مثل حالة معظم الإخوة، الذين يعيشون طبيعة دراسية نظامية مع عمل وأسرة، فهذا أقول له: ابدأ بما أمكن أن تبدأ به وأتقنه، ثم انتقل إلى ما بعده.
والسلف الصالح رضي الله عنهم ضربوا لنا المثل في عدم العجلة فقد كانوا يطلبون العلم ويرحلون في طلبه، ثم يحدثون، لا تجد أحداً من العلماء ابتدأ يحدث، بل تعلم وحفظ وطلب العلم، ثم حدث.