هاتان الصفتان لا بد أن تكونا مقترنتان، ولذلك كان أكبر خطأ يخطئ فيه كثير من الناس أنهم يغلظون على المؤمنين، من أغلظ على المؤمنين؛ فإنه يؤدي به الأمر إلى أن يتساهل مع الكافرين، وهذا أمر يجده كل إنسان من نفسه، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل في نفس الإنسان هذان العاملان: أحدهما: الحب ومقتضاه: اللين، والرأفه، والرحمة، والذلة.
فلو أن الإنسان أخطأ في أحدهما، فإنه يخطئ في الآخر لا محالة، فتجد بعض من يلين القول مع الكفار يغلظ على المسلم، فإذا تعامل مع الكفار، ووادهم، وأحبهم، وخالطهم بحيث إذا جاء إنسان وتكلم في الكفار، وحذَّر منهم، وبيَّن أنهم أعداء الله؛ أغلظ وأنكر عليه.
وكذلك لو أنه أغلظ على إخوانه المؤمنين وكان شديداً عليهم، فإن هذا قسط من عداوته للكافرين صرفه وحوله إلى إخوانه المؤمنين.
فتجد من شغله الله بالطعن والعيب والعداوة للمؤمنين لا يجد وقتاً ولا تجده يفرغ للطعن والحرب والعداوة لأعداء الله الكافرين، ولذلك يجب على المؤمن أن يحفظ هذا الميزان الدقيق وأن يجعل نفسه كما أمر الله تعالى.
فقوله تعالى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة:٥٤] يجب أن نأخذ هذه الكلمة بكل ما تحمله من معنى، وليس في ذلك غضاضة، فإن ذل المسلم لأخيه المسلم عزٌ له عند الله عز وجل، وهذا يورثه الدرجة العليا، وهي: أن يكون ممن يصطفيهم الله عز وجل، فأنت لا تنظر إلى أن أخاك المسلم أخطأ عليك، أو أخطأ في اجتهاد ترى أنه خالفك فيه، بل انظر إليه هل هو ممن يحب الله ورسوله فتجتمعان في محبة الله أم لا؟ ومن عادة الناس في أمور دنياهم أنهم إذا كان أحد منهم يحب أحداً فإنه يستشفع إليه بمن يحب، حتى ولو كان بينه وبين الرجل أي مشكلة فيعفو عنه لأنه تشفع له من يحبه ذلك الرجل.