للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[شهادة الزور]

السؤال

هناك أناس لا يتركون الصلاة في الجماعة وغيرها إلا أنه قد لا يتورع عن شهادة الزور ويكتم شهادة الحق إن طلبت منه؟

الجواب

مثل هذا السؤال يتكرر دائماً ونستشف منه أشياء: أولاً: كثرة الدعاوى في منطقتنا هذه، لماذا نحتاج إلى شهادة الزور أو نحتاج إلى شهادة الحق؟ كل هذا بسبب كثرة الدعاوى.

ولو عرف كل إنسان حقه ووقف عند حده، ما احتجنا إلى شهادة الزور ولا إلى شهادة حق.

لكن الدعاوى لكثرتها عندنا هنا، فيأتي الإنسان ويأتي ما نسميه القالة ويأخذ القالة، لا بد أن ينتصر بحق أو بباطل، لا حول ولا قوة إلا بالله.

ويأتي القريب والصديق والرحيم، ولا بد أن يعينه وأن ينصره، سبحان الله! كان الناس في الجاهلية يقولون: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، هذه قاعدة من قواعد الجاهلية، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لأصحابه الكرام: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فتعجب الصحابة رضي الله عنهم- هذه قاعدة الجاهلية يقولها نبي الهدى والرحمة والعدالة- فقالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره إذا كان مظلوماً، فكيف ننصره إذا كان ظالماً؟ قال: تردعه وتحجزه عن الظلم فذلك نصره}.

كم واحد منا يطبق هذا الشيء في منطقتنا؟ نرجو أن يكونوا كثيرين، ونرجو أيضاً أن يزداد الذين إذا رأوا الظالم أخاً أو قريباً أو رحيماً أو جاراً أو شريكاً، ينصرونه بأن يردعوه عن ظلمه، فلا يحتاج إلى شاهد ولا إلى مشهود.

ومع ذلك فمن أدَّى صلاة الجماعة وشهد شهادة الزور، أو من حافظ على الصلاة والزكاة والصيام والحج وذكر الله وقراءة القرآن، لكنه يمشي بالنميمة ويفسد ما بين الناس، ويوقع ما بين الأقرباء والشركاء والجيران، ويرتكب الموبقات التي لا يلقي لها بالاً، هذا من هو؟ هذا هو المفلس كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع} هذا مفلس، أي: أنه فقير ما عنده شيء، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يعدل موازيننا، دائماً موازيننا أن الظالم لا ينصر إلا أن يعاون، قال: {تنصره بأن تردعه} إذاً غيرنا الميزان.

أيضاً هنا نغير الميزان، فالمفلس ما هو الذي هو هذا حاله، والذي فيه خير، ليس الذي عنده أموال كما نقول هنا في المنطقة، نقول: فلان فيه خير، أي: أن عنده أموال وعنده وظيفة.

ليس هذا هو المعنى، فموازيننا يجب أن نعدلها، وأن نزنها بميزان الله، {المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة وعنده من الحسنات مثل جبال تهامة ولكن يأتي وقد شتم هذا، وظلم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيؤخذ من تلك الحسنات، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن كفت وإلا أخذت من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار} نسأل الله العفو والعافية، فهذا المفلس.

فيا إخوان! نسأل الله أن لا يكون فينا شقي ولا محروم ولا مفلس.

فلا نشهد الزور، ويجب أن نعلم أن شهادة الزور يا إخوان لها معنيان في ديننا كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:٧٢].

شهادة الزور التي نعرفها جميعاً أن يشهد الإنسان بغير الحق.

وشهادة الزور، أي: الحضور، حضور اللهو واللعب وحضور ما يشغل عن طاعة الله، هذه شهادة اللهو.

شهد الزور: أي حضره.

فمن شهد ما يلهي عن طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -أيضاً- فقد شهد الزور.

فعلى كل حال من اتقى الله وصلى وصام لا يشهد الزور لا بهذا المعنى ولا بذاك المعنى إن شاء الله.