كان السلف الصالح رضوان الله عليهم ينكرون أشد الإنكار على ما ظهر من بدع في أيامهم كما أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه على بدعٍ في التسبيح فعلها بعض القراء، ثم لما ظهرت الفرق المبتدعة وتميز أهل السنة، رأينا كيف كانت عقوبتها، فإن علياً رضي الله تعالى عنه -وهو إمام زمانه وخليفة عصره- لما خرجت الرافضة -التي تنتسب إليه إلى اليوم- لم تكن عقوبتهم عنده إلا الحرق، وهذا ما أنكره عليه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، ولكن المقصود أنهم اتفقوا على القتل وإن اختلفوا في كيفيته، ولهذا قال:
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا
وقال شاعرهم:
لترميني بنا المصائب حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين
وهي الحفر التي أوقدها من النار لما قالوا: أنت هو! قال: ومن هو؟ قالوا: الله، تعالى الله عما يشركون.
والطائفة الأخرى التي خرجت في زمن الخلفاء الراشدين هي: الخوارج، وهؤلاء أيضاً قاتلهم علي ٌ رضي الله تعالى عنه، وفرح وسر هو والصحابة الكرام بقتالهم، وابتهجوا بذلك، وجعلوا ذلك من آيات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الدالة على صدق رسالة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في حديث ذي الثدية، وجعلوه دليلاً على صحة إمامة علي رضي الله تعالى عنه وأن ذلك من كراماته؛ لأنه وُفقَ إلى قتل هؤلاء الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد} فكانت معركة النهروان وغيرها ممن قتل فيها هؤلاء.
فعقوبة أهل البدع -وإن لم يدعوا إلى الشرك الصريح- كعقوبة الخوارج، أما إذا دعو إلى الشرك كما دعا إليه الروافض الأولون والمتأخرون، وكما يدعوا إليه المتصوفون في هذا الزمان، وفي كل الأزمان، الذين اتبعوا الطرق والسبل التي نهى الله -تبارك وتعالى- عن اتباعها وأصبحوا ينعقون بالشرك الأكبر، ويزعمون أن مع الله إلهاً آخر، فهؤلاء خرجوا عن حد الابتداع ودخلوا في حد الشرك، حيث يقولون: إن هناك من يعلم الغيب غير الله، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأول والآخر والظاهر والباطن، تعالى الله عما يشركون، فأعطوه خصائص الألوهية، وأسماء الله تعالى وصفاته وغير ذلك.
فلو كان المُشرَك به مع الله -تبارك وتعالى- أفضل خلقه وأحبهم إليه وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أفضل الملائكة وهو جبريل عليه السلام، فإن الله تبارك وتعالى لا يرضى ذلك أبداً، فكيف بعبادة من دونهم من الأولياء أو الصالحين، فكيف بضلالات وبدع وشركيات وخرافات عند من ليس لهم حظٌ من الولاية، وإنما هم مفترون، وإن كثيراً من الأضرحة التي تزار وتعبد في أنحاء العالم الإسلامي اليوم ليس فيها أحد أصلاً، بل ربما يوجد فيها من ليس له في الإسلام حظ من الولاية، فإذا كنا ننكر على من يأتِ بالشرك عند قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو قبر أحد من الصحابة، أو أي أحد من الأنبياء، فكيف بمن يفعله عند من لا حظ له من الولاية أصلاً، فكله شركٌ وباطل نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحمي هذه الأمة منه إنه سميع مجيب.