[طرح مشروع ترجمة الكتاب وإيضاح خطر التنصير]
والفكرة المبدئية هي: أننا نريد أن نترجم هذا الكتاب إلى كل اللغات الحية في العالم، وما ذلك -بإذن الله تعالى- بعزيز ولا صعب المنال إذا خلصت النية -نسأل الله لنا ولكم ذلك- وصحت العزيمة وكان التعاون من إخواننا المسلمين على هذا العمل، ولا نريد الاكتفاء بالترجمة فقط، بل لا بد من الشرح والتعليق والإيضاح؛ لأن كثيراً مما ذكر شَيْخ الإِسْلامِ يحتاج إلى إيضاح وإلى بسط بلغة العصر، ثم نحتاج إلى ما لا بد منه، وهو الفِرَق التي ظهرت بعد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله من النصارى، فلا بد أن نوضحها ونبين حالها، ونرد على شبهاتها التي ربما لم ترد في هذا الكتاب، وكل ذلك يجب أن ينشر في العالم كله لأسباب لا تخفى على مثلكم.
لكن لعلي أن أوجز لكم بعض البواعث التي حركت هذا المشروع الذي أساسه هذا الكتاب: أولاً: أننا ننظر إلى أننا نعيش في مرحلة كتلك المرحلة التي كانت الأمة الإسلامية تعيشها في أيام شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله، فعندما كتب ذلك الراهب أو الأسقف، وافترى ما افترى نحن الآن نجد الكذب العظيم الذي تتناقله وسائل الإعلام في كل مكان وفي كل آن بمثل هذا القول المفترى الباطل الداحض، والأمة الإسلامية -ولله الحمد- هي الآن في حالة صحوة ويقظة ونهضة كما نهضت في عهد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وكان لها ما كان من مقاومة الصليبيين والتتار بالجهاد بنوعيه: الجهاد بالقرآن، والجهاد في الميدان، فالحال كالحال، وما أشبه الليلة بالبارحة! وما أحوجنا الآن؛ بل الحاجة أعظم وأعظم إلى أن ينشر هذا الكتاب، كما كانت كتبه رحمه الله في تلك الحقبة التاريخية المهمة من حياة وتاريخ الأمة الإسلامية.
نحن الآن نعيش هذا التحدي الصليبي المعاصر الذي يريد أن يدمر وجودنا، وأن يسحق كياننا، وألا يبقي لهذه الأمة وجوداً على الإطلاق، يريدون أن يملكوها عقيدة وسياسة واقتصاداً وإعلاماً ومناهجاً وفي كل منحىً من مناحي الحياة، وأن تصبح جزءاً من ممتلكاتهم العريضة، وتصبح تابعاً ذليلاً لهم لا تملك مجرد مقوم من مقومات الذات أو الشعور بالذات، وإنما أجزاء ممزعة ممزقة تابعة للغرب في ظل ما يسمونه بالنظام الدولي الجديد، وهذا التحدي جعلهم يتطاولون على ديننا وعلى رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى هذه البلاد التي يعتبرونها مقر الإسلام الأول، وأنها لا بد أن تدمر ويقام فيها دينهم، فتدمر العقيدة الصحيحة فيها لينتشر فيها دينهم الباطل، ولذلك كانت لهم جهود خاصة لنشر دينهم في هذه البلاد.
ومن أشهر ما يجب أن يُذكر أن صومئيل زويمر الخبيث المبشر والمنصر المعروف، والذي كان رئيساً لمؤتمر القدس عام ١٩٠٦ ثم استقر في البحرين كما تعلمون، وكان يريد في الأصل أن يستقر في جدة، وخطط لإنشاء معهد تنصيري فيها، وذلك لينفذ منه إلى مكة وإلى المدينة، ووضع الخطة لذلك إلا أن الدولة العثمانية وهذا مما يحسب لها من حسناتها لم تكن تسمح بدخول النصارى واليهود جزيرة العرب على الإطلاق، وكل المستشرقين الذين دخلوها، وكتبوا عن الإسلام والمسلمين فيها إنما دخلوا متنكرين كأنهم مسلمون وكأنهم حجاج وهم أفراد قلة، ولم يظفروا في هذه الجزيرة بموضع قدم ولا بإقامة على الإطلاق مدة حكم الدولة العثمانية، ولذلك ذهب إلى البحرين لأنها كانت مستعمرة بريطانية، وأنشأ المركز الذي لا يزال إلى الآن منطلقاً لنشر النصرانية في هذه البلاد الطاهرة.
وأحدثكم عن تجربتي أنا، فقد جاءتني باسمي الشخصي وعلى عنواني رسائل تنصيرية، واحدة منها اسمها البذور، تتكلم عن الأناجيل، ويريدون مني أن أدخل في دينهم الحق كما يزعمون، نعم هذا أنا ولا أقوله عن غيري، وجاءت مئات من الرسائل، وجاءت رسالة أخرى ليست بهذا الشكل، ولكنها رسالة للحوار، كتبها أحد الذين درسوا الأديان، وذكر اسمه وولايته وعنوانه وأنه يريد نوعاً من المحاورة والمناظرة، وأثبت أنه يكفر بكثير مما في الأناجيل، وأن لديه شك فيما يعتقده المسلمون في بعض الأمور، ويريد أن نقدم له الرأي -رأي الإسلام كما يقول- في مثل هذه الأمور وهكذا.
ولا يخفى عليكم كم تأتي في البريد مما قد يتلف كثير منه فلا يدخل، لكن الذي يصل إلى الإخوة مما يتجاوز الرقابة البريدية، كمٌ من الأناجيل.
وكتاب عاصفة الصحراء الذي كتب بعد الحرب الأخيرة بين الغرب والعراق، يريدون بالعاصفة جانباً آخر وهو نشر دينهم، والذي رد عليه الشيخ أحمد ديدات بنفس العنوان.
فذكروا بما لا يتسع المقام الآن لشرحه أنهم يطمعون في تنصير أبناء هذه البلاد.
ثانياً: الحقيقة التي يجب أن أضيفها هنا وهي أيضاً من البواعث على الترجمة، أنني دعوت الإخوة منذ أكثر من سنتين إلى أن كلاً منا يبدي رأيه في كيفية محاربة التنصير.
والحمد لله جمعت لدي رسائل كثيرة، واقتراحات عظيمة ونافعة، ثم جاء أخونا الشيخ سلمان حفظه الله (ولا عطر بعد عروس) فتعرض لهذا الموضوع وقلت له: كنت أريد أن ألقي محاضرة عن صانعي الخيام في نفس الأسابيع وأنا أتحدث عن هذا المشروع، فلما ظهرت أشرطته اكتفيت بذلك، وذلك دون أن ينسق بعضنا مع بعض، أو يكلم بعضنا بعضاً؛ لأن الإحساس بالخطر واحد، ولأن ما يأتي إليه يأتي إليَّ مثله، لأن المسلمين الآن يضجون في هذه البلاد -ولا أقول في غيرها- من هذا الخطر التنصيري الدامي، فجاء الشعور واحداً مشتركاً، فجاءتني عدة اقتراحات وحلول، وكان منها أن نقوم بعمل علمي، إذ نحن لا نستطيع أن نجاهدهم بالسيف، ولا نستطيع أن ننشئ جمعيات ذات الأموال العريضة كما يفعلون، فما الحل إلا أن نجاهدهم بالعلم والبيان، فكان أن اخترت وعزمت -بفضل الله وتوفيقه- على أن نترجم هذا الكتاب.