الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته الكرام هم المثل والنموذج الأعلى في أداء الحقوق، فكيف كانت حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ كان هو معلم الأمة، وكان هو الحاكم والوالي فيها، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الزوج الذي قام بحقوق الزوجية كاملة، وكان هو القائد الذي يقود الجيوش في المعارك، وكان هو المربي، وكان هو الشفوق والعطوف الحنون على الفقير والمسكين والأرملة، وهكذا جملة عظيمة من الحقوق قام بها صلوات الله وسلامه عليه خير قيام، مع أنه صاحب الفضل على هذه الأمة جميعاً، فهو الذي أخرج الله تبارك وتعالى به الأمة من الظلمات إلى النور.
كيف كان أصحابه الكرام؟ هل تعلمون أحداً من الصحابة أو حتى من العلماء التابعين أو تابعي التابعين كان يعيش هو وطلابه وحدهم منعزلين، يجتهدون فيما ينفعهم وحدهم، ولا يفكرون في حال الأمة ولا ينصحون لها، ولا يحسنون إليها، ولا يشفقون عليها؟! لا تجدون ذلك أبداً، بل هم أشفق وأرحم الناس بالناس، هم الذين إن وجدوا الضعيف، وإن وجدوا الأرملة، وإن رأوا المحتاج أو المعتوه أو الأسير أو الفقير، فهم أول من يبادر إلى بذل الخير له والإحسان إليه، وحث الخلق على ذلك.
هم الذين بلغ بهم ذلك الموقف الإنساني الرفيع حداً لا يصدق، حتى كان الواحد منهم إذا اكتسى حلة يكسو غلامه، ويقول: هكذا علمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هكذا كان في عصر كانت الشعوب يستعبد بعضها بعضا، ويستذل بعضها بعضاً.
وأما اليوم فهل سمعنا عن بعض أرباب العمل وأصحاب الشركات والمؤسسات -مثلاً- من يشعر بالشفقة نحو عماله إلى حد أنه إن أكل أكلاً لذيذاً أو لبس لباساً نظيفاً، يتمنَّى مثل ذلك لعماله ولو أمنية بالقلب إلا من رحم الله؟! هؤلاء قوم لم يكونوا يتخطون أقرباءهم ولا جيرانهم ولا من حولهم من المجتمع، إلى من ورائهم، وهم إنما يتخطونهم بالخير والهدى والنور، ولكن نورهم وعلمهم شمل تلامذتهم، وجيرانهم، ومجتمعاتهم، وشمل حكامهم ومحكوميهم، حتى أصبحت حياتهم كلها خيراً ويمناً وبركة! الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستوقفه المرأة العجوز في الطريق فيتنحَّى لها، ويقف ويستمع حتى يقضي حاجتها، ثم ينصرف.
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس، وتأتي إليه المرأة تجادله في زوجها، وينزل الوحي من السماء:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}[المجادلة:١].
انظروا! إلى هذا الاهتمام بأحوال الناس، وبواقع حياة الناس، لكي يأخذ بأيديهم صلوات الله وسلامه عليه إلى الطريق القويم، وربه تبارك وتعالى من فوق عرشه العظيم يوحي إليه ويسدده ويوجهه ويبارك خطواته وأعماله وأقواله، وهكذا كان أصحابه الكرام.