التذكير بواجب الأُخوة في الله
ومن باب التذكير أيضاً أن نذكر بواجب الأُخوة في الله والمحبة، وهذه المحبة لا نعني بها ما قد يكون عند بعض الشباب من أنه يسر برؤية أخيه، ويفرح بأن يجالسه، وأن يسهر معه، وأن يذهب معه، مجرد هذا لا يكفي وإن كان في هذا خير، وإنما نعني المحبة الإيمانية بلوازمها وموجباتها الشرعية.
ومن لوازم ذلك وموجباته: التناصح، فالمحبة مقتضاها التناصح وتسديد العيب، وبيان التقصير، ودوام الانتباه لأمراض القلوب التي قد تعتري أخيك أو تعتريك، فكل منا يكون مرآة لأخيه، والمرآة -كما تعلمون- لا تدخر شيئا من العيوب، ولا تجامل ولا تحابي، لكنها لا تشهر، هذه هي الميزة.
فالإنسان يجب أن يكون بالنسبة لأخيه مرآة له، يريه ويبصره بما يرى على سبيل التناصح، فالنصيحة واجبه بيننا، أما إن كانت علاقاتنا عاطفية أو أخوية تتجرد عن التناصح، وعن تسديد الأخطاء، وعن بيان الواجب في الدعوة إلى الله؛ فإننا مع الزمن تتضخم لدينا الأخطاء، ولا نستفيد من هذه العلاقة إلا راحة نفسية يجدها الإنسان عندما يرى إخوانه، ولا شك أن هذه الراحة مطلوبة، وأنها دليل الإيمان -إن شاء الله- ولكنها لا تكفي وحدها، وأنا أعزو هذا الارتياح الذي نجده عندما يقابل بعضنا بعضاً إلى شدة وطأة الغربة والألم الذي نعيشه، فالإنسان عندما يسمع دائماً عن أهل الشر والفساد والمنكر، والبدعة، والضلالات، فإذا رأى أخاً له فرح وأنس به وتحدث معه، وهذا ما عبر عنه الشاعر:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ يواسيك أو يسليك أو يتندم
حتى قال بعض السلف 'ذهبت لذاتُ الدنيا كلها، وبقي من لذات الدنيا محادثة الإخوان' أو 'مناجاة الإخوان' فلذة النساء تذهب بعد الشباب، ولذة المال أيضاً للعاقل ليست شيئاً، وإنما بقي منها محادثة الإخوان.
وهذه من لذات الدنيا التي تبقى مهما كبر الإنسان في السن، ومهما تقدم في العمر، ومهما افتقد من الدنيا، فإذا وجد أخاً له في الله يحبه وجلس معه، استمتع ووجد راحة لا يجدها في أيٍ من اللذات الأخرى التي تضمحل وتذهب.
إن هذا يعود إلى وطأة الغربة -أحياناً- ولكن ذلك لا يعني أن نسترسل ونسترخي لعواطفنا، وإنما محبتنا -حتى لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هي محبة إيمانية، وليست مجرد علاقة أو محبه عاطفية، وإنما هي محبة إيمانية لها مقتضيات ولوازم، وتتطلب منا أعمالاً وأموراً لا بد أن نحققها في واقعنا وفي أنفسنا، هذا الشيء لا ينبغي أن يغيب عن أذهان الإخوة الدعاة، وهذه العلاقة ضرورية في مثل هذا الخضم الذي نعيشه.
نحن الآن نرى آثار التفكك وضعف الأُخوة والعلاقة بين الشباب، حتى سأل بعض السلف بعضاً من طلابه فقال لهم: 'هل بلغ من محبة أحدكم لأخيه أن يدخل يده في جيبه، فيأخذ ما شاء ويدع ما شاء؟ قالوا: لا.
قال: فما المحبة عندكم إذاً؟! ' انظر كيف كان السلف الصالح رضي الله عنهم، وأروع مثال على ذلك مؤاخاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار، وكيف تلاحمت هذه الأمة فأصبحت لحمة واحدة مع اختلاف القبيلة والوطن والحال، ولكن جمعهم الإيمان والعقيدة، ومحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجمعتهم الهجرة إلى الله ورسوله، ونصرة دين الله -عز وجل- فلما كان الهدف والغاية وجه الله -عز وجل- اجتمعوا على ذلك فكانت هذه الأُخوة العميقة، بحيث إنك أحياناً إن لم تكن تعرف القبائل أو لا تعرف حال هذا الصحابي من قبل، إذا قرأت اسمه من المهاجرين أو من الأنصار، فبمجرد أنك قرأت خبراً أنه ذهب فلان وجاء فلان، تحتاج إلى أن تعرف هل هو من المهاجرين أو الأنصار، ذهبت كل الفوارق تماماً، وأصبحوا أمة واحدة، فهذه هي المحبة التي لا بد منها.